حقق المهاجر هاشم السوري، حلم السفر. هكذا كان يفكر وهو في الظلمة في رحلة عبر البحر، لم يكن قادراً على رؤية جيرانه، لكنه يسمع صراخهم: انهما افريقيتان وربما من الصومال، ولكن الوقت لا يسمح بالتحدث اليهما – لانه جالس في مكان اعلى، انهما تفضلان ان يس
حقق المهاجر هاشم السوري، حلم السفر. هكذا كان يفكر وهو في الظلمة
في رحلة عبر البحر، لم يكن قادراً على رؤية جيرانه، لكنه يسمع صراخهم: انهما افريقيتان وربما من الصومال، ولكن الوقت لا يسمح بالتحدث اليهما – لانه جالس في مكان اعلى، انهما تفضلان ان يسرع في الحركة – وهو ايضاً يريد ذلك ايضاً ومع ذلك لا يسرع.
العديد من الاشخاص، يصيحون من مكان اعلى، وقد يكون هناك طابق أعلى في القارب، وإن اراد احدهم التحرك، فان المهرّب يدفعه الى الخلف. إنهم لا يريدون ان يفقد القارب المزدحم توازنه ويغرق في البحر.
كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة ليلاً، ولكن هاشم غير واثق وهو ينسى الطريق مع مرور الوقت او غير متأكد منه ومن المكان.
وفي وقت مبكر من المساء، وعلى شاطئ في شمال مصر، تم نقله ورفاقه الى الزورق الصغير، والآن لا يعرف أحد الى اين يتجهون في الظلام، ينسلون في الامواج، في مكان قد يكون جنوب شرقي البحر المتوسط، وسكانها يصرخون.
وكانت بعض الصرخات عربية، وهم كانوا يعيشون في افريقيا وآخرون عبر الشرق الاوسط، وهناك فلسطينيون، سودانيون ومن الصومال ايضاً وسوريا مثل هاشم. وكان بعضهم يتأهب للسفر منذ اعوام إنهم يريدون الوصول الى شمال اوربا: السويد، المانيا او اي مكان يمكنهم منه بدء حياة ثانية بعد انهيار بيوتهم في بلادهم، وهم يجازفون بالسفر بواسطة هذا الزورق الى الشاطئ الايطالي، وكانوا جميعاً في صحة جيدة، وعليهم الوصول الى ايطاليا في خمسة او ستة أيام. ولكن الحاضر لا يعرفه هاشم: ان كان سيعيش هذه الليلة، وهل ان إرادتهم ستتحقق.
وتمر ساعة، يصلون الى الزورق الثاني – وهو اكبر حجماً، ثم الثالث، اكبر حجماً بدوره، وعند كل زورق جديد، يدور المهربون الاشخاص في اماكنهم وكأنهم اكياس بطاطا، وعند ذلك يتسع المكان بعض الشيء، مبتلون. وكان الزورق الثاني مملوءاً بالمياه وملابسهم مشبعة بالمياه، وكانوا يرتجفون، وبدأ هاشم يتقيأ على الشخص الذي كان على يمينه، ثم تطلع فيما حوله وتبين له ان كل واحد من الركاب قد تقيأ على من هو قريب منه. وكان كل واحد من الركاب قد دفع 2.000 دولار لكي يتقيأ على من في جواره. وكان هاشم يفكر في ذلك الأمر، ويقول مع نفسه "انها حفلة تقيؤ".
انه رجل في الأربعين من عمره، ضخم الجسم مع ابتسامة وديعة، وشعره الرمادي يجعله اكبر من عمره، وقد كانت رحلته الجريئة هذه مخاطرة منه. وهو يفكر في اطفاله: اسامة ، محمد وميلاد، ورغبته في تسجيلهم في مدارس مصرية وهم هناك مع امهم ولكن هذه الرحلة الجريئة، قد اتخذها لكي يعيش مع اسرته، وسيكون معهم ومع والدتهم، هيام وسيعيش معهم، ان تمكنت الأم من الوصول الى السويد.
وهاشم، ان وصل الى اوروبا عبر القارب فان عدة اشهر ستمر عليه قبل الاندماج مع عائلته.
وتلك الاشهر ستكون صعبة على هيام، عندما يسافر زوجها الى اوروبا عبر قارب، وستمضي عدة اشهر وعليها ان تنفق على الاطفال بمفردها، بدون الاعتماد على دخل زوجها، وفي مصر المحافظة سيكون صعباً عليها ترك الشقة بمفردها. وابن هاشم اسامة بلغ 13 سنة، في اليوم الذي غادر فيه هاشم سوريا الى اوروبا، اما ميلاد فقد بلغ السابعة، وقد انتقل في اعوام الحرب في سوريا في سبعة بيوت.
اربعون عاماً وبلاده قد دمرت، ويتذكر هاشم آماله واحلامه، ويعتقدها قد تلاشت. ولكن اولاده مايزالون في حاجة الى تضحية منه ويقول لعدد من الاصدقاء الذين يثق بهم عن طموحاته الكبيرة، وانه سيغادر الوطن: "ان فشلت ، فسأكون الفاشل الوحيد، ولكني بفعل هذه المخاطرة ساضع حلماً امام اطفالي الثلاثة – وربما احفادي ايضاً".
وبدأت الرحلة
قبل ثلاثة اعوام، عاد هاشم الى منزله، في الاسبوع الاول لبدء عمله، وكانت الساعة، السادسة مساء وكانت العائلة تحتفل بعيد ميلاد اسامة ويجلس مع اولاده بمشاهدة التلفزيون، وزوجته هيام وكانت معلمة، تطبخ العشاء في المطبخ، وعند ذلك يدق احدهم على الباب. وفكر هاشم في الأمر، انه لم يكن سياسياً، انه في السابعة والثلاثين من عمره، وموظف مدني في مديرية الاسالة، وهو يدير قسم الكومبيوتر وان واجبه طبع القوائم الشهرية لسكان دمشق وما يحيط بها. وهو يركز افكاره في عمله وشؤونه الخاصة.
ولكنه لم يهتم اليوم باي شيء يحدث. ان النظام يذهب من بيت الى بيت ويطوق الرجال الذين يجدهم فيما ان كان سنياً، يعيش في بلد يحكمه العلويون.
ويراقب اطفال هاشم ما يحدث، ووالدهم يتوجه نحو الباب. وفي الخارج، رأى 20 رجلاً واقفاً لا يدري ان كانوا من الجيش ام انهم من انصار الميليشيا.
لم يدرك هاشم الأمر، ولكنهم هنا من أجله ومن اجل نصف سكان الشارع الذي يعيش فيه.
وحتى ذلك الحين، كانت الحرب قد تجنبت حراّن او اميد، منطقة مساحتها 15000 تبعد عن دمشق بضعة اميال جنوبا. انها مدينة هادئة، فيها عدد كبير من الموظفين الحكوميين، ولكن التوتر كان قد بدأ يظهر ويرتفع، كان النظام قتل شابين وربط جثتيهما الى سيارة، طافت في المدينة وهي تجر الجثتين. لم يكن كل واحد جريئاً الى درجة تدفعه الى العمل، ولكن اصدقاء الشابين واسرتيهما فعلوا، فقد احتجوا وانشدوا في الشارع.
وعندما دفعوا هاشم الى خلفية شاحنة، واطفاله يراقبونه من غرفتهم الامامية، ان النظام يأخذ انتقامه. انه انتقال طويل، ففي البداية، اخذوا هاشم وجيرانه الى شبكة من الزنزانات، تم حفرها عميقاً بالقرب من مطار دمشق، وبعد ثلاثة ايام، تم نقلهم منها الى مركز سلاح الطيران في دمشق.
وهناك كان عدد من مئات الرجال يتجمعون في زنزانة واحدة، ويتم التعذيب في غرف خاصة.
وفي يوم من الايام، بعد عدة أشهر، تم نقل السجناء في شاحنة في مركز دمشق، وتم إلقاؤهم في الشارع ولم تكن لديهم اي فكرة، عن تأريخ ذلك اليوم او الفصل ام ان يوم عيد الاضحى.
وكان المستقبل لهاشم كئيباً. فعندما كان في السجن اثنان من اشقاء "هيام"، ثم قتلهما من قبل نفس القناص وفي نفس ذلك اليوم.. كان احد الشقيقين، يحاول استرداد جثة ذلك الذي قتل من قبل نفس القناص.
ومن أجل البحث عن الأمان، انتقل الزوجان هاشم وهيام مع اولادها الى قرية قريبة من دمشق، وعندما بدأت القنابل تتساقط على مبعدة من اولادهما، عندما كانوا يعودون من المدرسة، ولم يجدوا الأمان في القرية، انتقلا الى قرية اخرى، في الجهة الثانية من دمشق.
وكان كل ما حولهم يتساقط – وكذلك منزلهما وعودة الى حران الـ اوهامد، كانت الحكومة تريد ان تقيم مصدا فيما حول دمشق، وهاشم ما يزال يحتفظ بمفتاح داره.
ولدى هاشم تأييد من "حقوق الانسان" حول هدم منزلهم في مدينة حران الـ - واميد.
ومع تحول منزلهما الى دمار، فكرت الاسرة في ترك البلاد. ولكن الى أين: ويفكران في الاردن ولكنهما سمعا ان الوضع في المخيمات سيئ جداً.
وكان لبنان الاختيار الثاني، وهي اليوم موطن مليون سوري، ولكنهم يخشون من عمليات الميليشيات. وهناك فكرة اخرى – مصر وقد رحبت الحكومة المصرية في عام 2013 بالسوريين.
ويقرران اختيار مصر – وباعت هيام حُليها ما عدا خاتم الزواج، ولكنهما حتى اليوم لا يمتلكان سعر تذاكر الطائرة والذهاب الى الاردن سهل وفي مقدورهما السفر بمعدّية الى مصر. وحوالي 11.000 باوند سوري ستاخذهما بعربة الى ميناء العقبة الاردني، والقارب من هناك الى مصر يكلف 65 دولارا.
وفي حوالي منتصف يوم الـ 26 من حزيران عام 2013، ظهرت العائلة في ساحة وسط دمشق وكانت طافحة بسوريين يبغون السفر. وهناك عدد كبير من شركات السياحة في تلك المنطقة، وكانت قبل الانتفاضة تزود بالسواح بالاطعمة.
واليوم يبدو ان المسافرين كثيرون وبالمئات يقفون في صفوف امام سيارات الباص. هل انهم يهربون من الحرب؟
عن الغارديان