حضور المسحراتي في شهر رمضان تقليد يعود تاريخه الى مئات السنين ، على مدى ثلاثين يوميا وقبل حلول موعد أذان الفجر يجول ابو طبيلة في شوارع وازقة الاحياء البغدادية باستثناء المنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة ، واحياء قليلة جدا تضم منازل كبار الساسة والمسؤولين، فهؤلاء ليسوا بحاجة الى خدمات ابو الطبل المسحراتي ، وربما كلفوا عناصر حمايتهم بابعاده من احيائهم لاثارته الضجيج والازعاج .
المسحراتي لا يتقاضى اجورا لقاء تقديم خدماته فهو يبغي الاجر والثواب ، لكنه في صباح اليوم الاول من عيد الفطر يقوم بجولة سريعة في الحي لجمع العيدية يتبعه عشرات الاطفال تكون حصتهم "الكليجة" والحلوى من اصحاب البيوت، تنتهي جولة ابو الطبل ، بتوجيه التهاني للجميع بالعيد يشاركه فيها الاخرون حين تكون التمنيات ضمان الامن والامان والعيش بسلام " اللهم ارفع الغمة عن هذه الامة" المبتلية منذ القدم بانداع الحروب والكوارث .
في الاحياء الشعبية يعرب سكانها عن تمنياتهم مع المسحراتي في صباح العيد ، احيانا تأخذ طابع احتجاج غير مباشر الى السلطة ، ياربي بحق عيد المسلمين انتقم من الظالمين في اشارة مبطنة الى من يتولى السلطة ، بامكان الغاضبين من جور السلطات ان يمرروا دعواتهم بحق الحكام الجائرين بكلمات تقال بهمس تضيع مع ارتفاع صوت طبل المسحراتي.
حضور المسحراتي في عواصم الدول الاسلامية على الرغم من وجود الوسائل الحديثة لتحديد مواقيت الفطور والامساك ، يعد مظهرا لايمكن التخلي عنه في اشاعة الاجواء والطقوس الرمضانية ليتعرف عليها الجيل الجديد ، المنشغل بالهواتف الذكية واجهزة الاتصال الحديثة ، فلم يتبق من رمضان الامس سوى صوت الطبل المعبر في بعض الاحيان عن احتجاج شعبي على طريقة المسحراتي خزعل ابو الطبل .
قصة المرحوم خزعل ، انه كان يترك منطقته الوشاش متوجها الى حي المنصور مكان اقامة كبار المسؤولين السابقين قبل انتقالهم الى مجمع القادسية الرئاسي ليواصل الضربات على الطبل ، في احد ليالي رمضان تعرض لاستجواب من جهة امنية ، وببركات الشهر الفضيل اثناء سرد قصته لمعارفه من ابناء الوشاش ، اكتفى المسؤول الامني بمنعه من ضرب الطبل وألزمه بان يكون مسحراتي الوشاش حصرا ، ولايجوز له التجاوز على منطقة جغرافية اخرى تضم منازل كبار المسؤولين .
في ظل النظام الديمقراطي ، لم تشهد بغداد مثيلا للمسحراتي المرحوم خزعل ، خصوصا ان الاوضاع الامنية والسياسية تتطلب تحويل المسحراتي مصحواتي ، يتولى مهمة تحفيز صحوة المسؤولين والقادة السياسيين ليتفقوا على بلورة موقف موحد لانقاذ البلاد من السقوط في منحدر خطير ، فمنذ اكثر من عشر سنوات اتخذت العملية السياسية مسار" ابو الجنيب" يمشي صفح ، و"كذيلته مايله" على حد تعبير المغني الراحل سعدي الحلي ، العراق اليوم بحاجة ماسة الى شخص يتولى مهمة الراحل المسحراتي خزعل ابو الطبل يستخدم "التنكات" ليسمع صوتها المقيمون في المنطقة الخضراء ومجمع القادسية الرئاسي، لعلهم يتفقون على توقيع وثيقة اصلاح جديدة تحدد مسار ابو الجنيب .