نعرف أن القوانين والدستور ليسا سوى رزمة ورقٍ بلا قيمة أو فعالية، منذ أن أصبحت لغة الطوائف والميليشيات هي التي تتحكم في مفاصل الدولة "اللادولة"، والمجتمع المرتهن لارادة القوى الشبحية وهي تتسلط على مقدرات الناس بشتى الواجهات والأدوات.
وشكل بروز كتلة السيد نوري المالكي تحت لافتة "دولة القانون"، منعطفاً في هذا التحول من التجاوز على "الدولة" والمال العام وانتهاك الحرمات، ومحاولة اغتيال الدستور وتصفية اي مظهرٍ للديمقراطية المتآكلة أصلاً، وهي المحاولة التي تجسدت بوضوح في المقولة الشهيرة "ما ننطيها". وكانت التداعيات اللاحقة التي تآكلت بفعلها "العملية السياسية" و"التوافقات"، تعبيرات عن نزوعٍ خطير لمطامع في اغتصاب السلطة السياسية، وتفشي الفساد ونهب المال العام وتدهور الاوضاع الأمنية وتفكك منظومات الدفاع الوطني، وظهور مجاميع مسلحة تخترق الامن العام وسلامة العراقيين، لتنتهي بالبلاد الى ما هي عليه الآن من انهيارٍ اقتصادي وعسكري وسياسي، يتمثل في أجلى صوره بتمدد قطعان الدواعش على ثلث مساحة العراق..
أن يُكافأ المتسبب بهذا الانهيار بتسلم مسؤولية رفيعة في السلطة السياسية بدلاً من المساءلة القانونية العادلة أمرٌ مثير، لكنه ممكنٌ في ظل التقاسم الطائفي للسلطة، وضياع سلطة الدولة والقانون والارادة الشعبية والوطنية، لكن المُفجع أن يهدد نائب من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون، كل من يلمّح أو يطالب بمساءلة المالكي قانونياً بقطع يده..!
أي دولة وأي قانون يبقى بعد هذا التصريح الخطير الذي يؤكد دون مواربة على بلادة أي ادعاءٍ بان ما تبقى من "دولتنا" ليس دولة ميليشيات وقوى تضع نفسها فوق القانون والمساءلة.!؟ . ومن يستطيع بعد هذا التصريح أن يرفع إصبعاً خجولة في وجه لصٍ أو قاتلٍ أو مغتصبٍ أو منتهكٍ للدستور، أو انقلابي ينتظر الفرصة السانحة للإجهاز على مقدرات البلاد؟..
ليس من حق أحدٍ مهما كان شأنه أن يمنع بعضاً من قادة حزب الدعوة او دولة القانون، من الدفاع عن امينهم العام وزعيم كتلتهم، أو تبرئة ساحته او ترشيحه لأي منصب او مهمة قيادية. فهذا الحق مكفولٌ لكل عراقية وعراقي، وليس في الدستور أو القانون ما يحرمه من ذلك، ولكن أن يتجرأ محافظ البصرة السابق بتهديد من يكون له رأيٌ آخر بقطع يده وبالويلات التي يمكن أن يتعرض لها، فتلك جريمة صريحة يطالها القانون، دون أي مواربة أو شك. طبعاً اذا كان للقانون والقضاء والعدالة من بقية سلطة ومكانة واعتبار. وقبل مساءلة القانون عن هذا التجاوز غير المسبوق على العراقيين وحقوقهم التي كفلها الدستور، أمام البرلمان مسؤولية وضع هذا النائب أمام المساءلة، أو انه سيضع نفسه أمام وضع خطير يكون فيه اول من يدين نفسه بنفسه، كهيئة تشريعية مسؤولة امام الشعب، وكنواب منفردين يغضون النظر عن انتهاكٍ صريح من زميل لهم، يتجاوز على دستور البلاد وما ورد فيه من حقوق وضمانٍ للحريات، بلغة اقل ما يُقال عنها انها مجافية ومتناقضة مع لغة القانون واحكام الدستور، حتى وهي على ما هي عليه من ضعفٍ وهوان..!
والمسؤولية السياسية تظل بعد هذا على قيادة حزب الدعوة بشأن هذا البيان وما اذا كان يعبر عن رأيها وتوجهها أم هو منتحل باسمها. كما تطال هذه المسؤولية احزاب التحالف الوطني اذا لم تعلن عن رأيها بالوضوح الذي يدين التصريح وما يعتمده من نهجٍ وادوات.
بقي أن يعرف السيد النائب ان تلويحه باتهام من يمكن ان يتجرأ بطلب مساءلة المالكي ومحاكمته، انه متواطئ مع دولة اقليمية او اجنبية او غيرها من التهم، انها باتت فاقدة الصلاحية، ودليل افلاسٍ سياسي..!
ترى لماذا نسي النائب عن حزب الدعوة ودولة القانون، لكي يصل بتهديده الى مستوى الذروة، ان يضيف الى قطع الايادي جزّ الرؤوس على الطريقة الداعشية؟
بيان مشكوك بعائديته يُنسب إلى حزب الدعوة..!
[post-views]
نشر في: 30 يونيو, 2015: 09:01 م