في نهاية الستينات من القرن المنصرم وبينما كانت الآفاق والمرحلة السياسية مشتغلة في المنطقة العربية نتيجة انكسار حرب حزيران بدأت موجة التغيير الفني والجمالي تشق طريقها سواء في التنظير الشعري او الفني وكانت للعراق من التغييرات الجوهرية لمعالم الجمال الف
في نهاية الستينات من القرن المنصرم وبينما كانت الآفاق والمرحلة السياسية مشتغلة في المنطقة العربية نتيجة انكسار حرب حزيران بدأت موجة التغيير الفني والجمالي تشق طريقها سواء في التنظير الشعري او الفني وكانت للعراق من التغييرات الجوهرية لمعالم الجمال الفني الحصة الاوسع في نطاق كل دول المنطقة العربية وتركت صدمة حزيران موجعاتها لتنير للاخرين الطريق فاتحة امامهم سؤال الهوية المحرج ..الفنان محمد مهر الدين المولود عام 1938 في اقصى مناطق جنوب العراق (البصرة ) كان مع مجموعة من الفنانين العراقيين يؤرخون لانفتاح وتاسيس جماعة الرؤية الجديدة مشاركا مع بعض الاسماء المهمة يومذاك ضياء العزاوي ورافع الناصري واسماعيل الترك وصالح الجميعي وما يميزه انفراده باسلوبية رسم لها طريقها السليم في التزاوج بين الموضوعية الغائرة في الانسان العربي والتعبيرية الصارخة واسعفته في هذا المضمار مرتكزات ساندة لقيم عمله الفني منها القدرة الاستعراضية المنظمة لرموز واشارات دالة على التمعن في غور الاحداث وانكسارها بالاضافة الى سياقات من نظام تصميمي لا اجد احدا غيره استطاع ان يزاوج بين الرسم كمنظومة بصرية وبين التصميم والكولاج في ترسيخ منظومة تكوينات صارخة على السطح التصويري وكل ذلك لم يات اعتباطا بل شجعته فترة تواجده في وارشو حيث اتم دراسته في الرسم والكرافيك متفاعلا مع الاسس الجوهرية لفهم الرسم وتطبيقه من حيث المدلول الخاص بمرحلة ما كان يعيشه .. محمد مهر الدين مثل خطاب مرحلته بصدق وانتهى المطاف بلوحته الى ان تكون المعبر لجوانب الانسان بكل انكساراته وخذلانه وتعريته بهزات الوجود وخاصة السلطة القمعية التي فرضتها انظمة المنطقة على شعوبها وكانه احاط بمظاهر باطنيته على نحو لا يبعدنا عن الاستعارة الجمالية وسياقها البنائي الملازم لاعماله . وفي حقيقة الامر لم يكن تشخيصيا ولا يغور كثيرا في المجرد ، كان مزاوجا لمعالم تخطيط فني يوصف بالعمل الهندسي المنظم والذي تتعاظم فيه الحقول الدلالية في معيارية تتشكل على اسس غريزية صادقة وليست علامات غامضة مع انه في اواخر حياته عزز من خطاب الفن السيميائي كثيرا وعناصره اشبه بالمرتبطة بين مركب شكلي غاص بالحركية وبين ايقونات تحمل بنيات تصويرية سالبة حتى تواجد ذلك في الخطوط والحروف والكلمات الانكليزية التي ترافق سطوحه التصويرية .انه بحق يصوغ لوحته على اسس الهندسة المتحكم فيها وليست الخاضعة لقواعد الرياضيات ، كيف حدث ذلك وكيف اتم انجازه ؟ مهر الدين خبر عبر اكثر من نصف قرن كيف يصوغ لنفسه اسلوبا خاصا وكيف استجابت القماشة البيضاء منصاعة لمتطلبات اشكاله ومعطياتها التعبيرية كل ذلك تعاضد نتيجة رؤية مسبقة حمل الانسان فيها مدلولا ظاهريا حتى يمكن القول ان الانسان في عمله شبيه بصليب المسيح الذي يجب ان يركن عاليا ليوثق ما فعلته الحوادث في الانسان العربي والعراقي تحديدا وتجلى ذلك في نماذج لها طرازية مثبتة جماليا واتسعت دوائر بنائيته في انساق معبرة لتنخرط في تراكيب تصويرية جاءت مغايرة للسائد من المدرسة التعبيرية العراقية . لهذا من يتابع الفنانين من بعده يراهم ويتحسس بانهم يقفون اجلالا وتقديرا لمدرسته وايقاعها الداخلي .ولعل السمة الشعورية التي ترافق تركات نزعته انما كانت تتنامى في وظائفية حادة فهناك شبكة من الاشكال والخطوط والتراكيب تجمعها الصياغات والجدل الكامن في ارتقائها انها مجتمعة تحت اواصر وحلقات بعلاقة مستقلة لها متوالية دلالية استطيع اليوم ان اؤكد ان مهارته في التصميم والقدرة الخيالية في الكولاج والتخطيط المسبق لغائية الرسم شكلت نواة تمكن الاخر ساعة رؤيتها من بث الاثارة فيه .نواة شكلية تخاطب العقل قبل القلب في هيئة من القيم التصويرية المستندة للمحلية واستلهام معاني وجود الانسان واسباب خذلانه .واذا اردنا ان نفتح بوابة روابط صلته بالفن والوجهة التي يدعو اليها فهناك دائما موجة من لذائذ تعبيريه استندت لتوان مرئي ووظيفة جمالية قل نظيرها اليوم بين الجيل الجديد.