كلما التقيت مسؤولا عراقيا شعرت بالخيبة وتحسست الخذلان، وكلما جالسته اكثر شعرت بفداحة الخسارة التي تنتظرنا كشعب. لا أقول ذلك تحاملا ولا تطاولا على احد، بل هي حقيقة أعرف حجم أهمية البوح بها. وإذا كان موروثنا السياسي يحدثنا عن تفاهات بعض أعضاء الطبقة السياسية في العهد الملكي، وإذا كان الملا عبود الكرخي قد أرخ للتفاهة تلك، وإذا كنا عشنا التفاهة زمن النظام السابق، نقول إن طبقتنا السياسية اليوم، ومنذ أكثر من عقد من الزمن تتقلب في بحر من التفاهة كبير، فقدنا معه أي امل يتحسن وضعنا كمواطنين أحياء أو شبه أحياء وبمستقبل أبنائنا كأجيال قادمة .
ولأنني قروي، وعلى قدر من السذاجة، لا أجد في المحاصصة السياسية او الطائفية وحتى المؤسسة السياسية الدينية سبباً في سوء اوضاع العراق العامة في تردي الأمن والاقتصاد بشكل خاص، ففي مجتمعات أخرى (لبنان) مثلا لا نعدم وجود المخلصين الاسوياء بين هؤلاء، وقد يمكننا بهم تجاوز الكثير من العقبات لأننا لا نعدم بينهم من هو بمستوى المسؤولية والوطنية، إذ يمكننا الوقوع على شخصيات تتمتع بشعور ديني – طائفي – قومي –قبلي لكنها تمتلك حسا وطنياً أو إنسانيا في أقل تقدير. ونذهب في سذاجتنا أكثر فنقول: يمكننا الوقوع أيضا على شخصيات مريضة بأمراض شتى، من التي ذكرنا لكنها قد تمتلك الحد الأدنى من الشعور الإنساني، الذي منه العفاف وحب البناء وتقديم الخدمات. أما أن نفتقد ذلك كله فهذا مما لا يتصوره ساذج مثلي .
كشفت وتكشف لنا يوميا مئات الوثائق والتقارير خريطة العهر السياسي العراقي وهو يتقلب في أقبح صوره، وهالنا أن القليل جدا من هؤلاء سلم من ذلك، وصرنا نعجب ونستغرب من حديث برلماني ما او مسؤول هنا وهناك ساعة يحدثنا بما ينسجم مع شعورنا بفداحة ما نحن فيه، أو وهو يكشف لنا عن حجم السرقات والإتاوات والرشا التي تقاضاها العدد الأكبر من الطبقة السياسية العراقية. لكننا مقابل ذلك صرنا لا نحتمل عن يقين قذارة الصمت الذي يمارسه اصحاب الايدي العفيفة -مع ندرتهم بيننا-. إذ لن يكون الصمت عن انهيار القيم والمفاهيم وضياع الوطن وفقدان الأمل بابا للعفاف والتكرم والنبل حتى وإن كان صاحبه من العفة بمنزلة الانبياء والمرسلين والمعصومين.
نحن لا نتجنى على احد، ولا خصومة بيننا وبين أحد من هؤلاء، لكننا (النخب الوطنية) ومن خلال احاديث متفرقة بين هذا وذاك منهم، نقع على ما لا ينبغي الصمت معه، كنا قد مددنا يد العون من خلال تصورات وممكنات نظن أن اوضاعنا ستستقيم إن جعلناها نصب أعيننا، لكن الطاقم السياسي- الديني- الطائفي..لا يصغي لنداءات كهذه، ظل معتقداً بانه إنما يبتغي وجه الله حتى في خصومته مع المشتركين معه في الطائفة ذاتها. والحال هذه تُترجم في صورتها الجلية داخل المباني الحكومية، إذ لم تكن دائرة المحافظ على وئام مع دائرة مجلس المحافظة منذ تشكيلتها الأولى إلى اليوم، ولم تتقدم مصلحة المدينة على طاولة مشتركة بينهما يوما واحداً خلال عقد من الزمان، فقد كانت الخلافات والحروب غير المعلنة تستعر بين حزب هذا وحزب ذاك، ودارت سلاسل الخلافات لتصل إلى المال الكبير المستقطع من المشاريع مقابل منح الكرسي هذا لهذا، ورفعه من تحت ذاك لذاك، وهكذا صرنا نقرأ كل صوت مشاكس لا على أساس الصدق والامانة والاخلاص إنما على أساس الكيد والتربص والايقاع والخديعة.
من اجل وطننا الذي يضيع ومن أجل الحلم الذي لن يتحقق وطنا، سنحسن الظن بالمحاصصة الحزبية والمشارط الطائفية، سنحسن الظن بالذين سرقوا المال حتى صرنا نستجدي البنك الدولي، سنحسن الظن بالمسلحين على كثرة بنادقهم واختلاف مشاربهم، لأننا صرنا نعول على مستقبل آمن لنا ولأجيالنا القادمة على النخب التي تتقاتل داخل المباني الحكومية وخارجها. يؤسفنا قول ذلك، لكن هل نملك خياراً يا ترى؟؟
فصل فـي الضياع
[post-views]
نشر في: 4 يوليو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
ليس لنا خيار لاننا اخترنا سلفا الذل والخنوع والانتهازية وهذا هو ديدن الانسان العراقي لاتتعب نفسك بالبحث عن خيار