بغداد / المدى
منذ اربعة اشهر كان (ع) الذي تجاوز الخمسين عاما يقاسي ألم الغربة ويتحملها ويمارس عمله بمنتهى النشاط والحيوية في الامارات ... وكل من حوله يداعبونه فهو معروف بخفة الدم والنكتة وفي نفس الوقت يتذكر ايام الشباب والمرح عندما كان يقضيها في بغد
بغداد / المدى
منذ اربعة اشهر كان (ع) الذي تجاوز الخمسين عاما يقاسي ألم الغربة ويتحملها ويمارس عمله بمنتهى النشاط والحيوية في الامارات ... وكل من حوله يداعبونه فهو معروف بخفة الدم والنكتة وفي نفس الوقت يتذكر ايام الشباب والمرح عندما كان يقضيها في بغداد مع اصدقائه ... كان يحلم وكأنه حقق كل ما يتمناه اولاده وزوجتة ولكن لكل شيء ثمنه ... الان وهو يعمل في الشارقة بعيداً عن زوجته وبناته ... لكن الحمد لله الجميع عايشين بخير وسعادة ...
ثم يبتسم باقي شهرين ويحصل على اجازة سنوية ويأتي الى بغداد ... كل تفكيره كان ينحصر بالعودة الى عائلته ... فهو دائما ما يسرح في الذكريات والاحلام ... وبينما هو في احلامه يرن هاتفه المحمول ... نظر الى جهازه ليجد رقم زوجته ... رد بلهفه " شكو ... ليش تخابرين " ... سمع صوت زوجته تحدثه على غير عادتها وكأن مكروها قد حدث ... احجي منو مات ! وترد الزوجة ... ارجع واخذ اجازة بسرعة ... ابنك (م) لم نعرف مكانه منذ اسبوع ... خرج ولم يعد ... رد شتكولين يمعودة راح وين خطفوه ... ودون تفكير غلق الموبايل وانطلق الى صاحب المعمل وطلب منه اجازة وقص عليه ما حدث ... قرر العودة الى بغداد ليعرف الموضوع منذ البداية وليعرف كيف اختفى ابنه الوحيد (م) وفي اليوم التالي كان (ع) على متن احدى الطائرات المتوجهة الى بغداد ... لم ينم السيد (ع) طيلة تلك الليلة ... فابنه الوحيد هو كل حياته ... فماذا حدث لكي يختفي ... هاجمته الشكوك ... تذكر قدرة الله فاخذ يستغفر ... ليعود للتفكير من البداية ... وهبطت الطائرة في مطار بغداد ... نظر امامه وبدأ في التحرك لينزل من الطائرة ... لا احد يستقبله من المطار كالمعتاد ... جرى الى اقرب سيارة اجرة وطلب توصيله الى بيته في الوشاش ! يدخل (ع) منزله يسال زوجته وبناته ... " شكو ...احجو من البداية " وبدأت زوجته تتكلم بعد ان ما استطاعت ان تتمالك اعصابها ... انت تعرف ابنك (م) دائما يشتغل ببيع وشراء السيارات ... تعرف على شاب من خلال المعارض ... كان يتاجر بالسيارات مع عمان واتفق معه على مشاركته بشراء سيارات من الزرقاء في الاردن وبيعها في معرضه ونشأت بينهما صداقة عمل وبدأت بينهما مكالمات واحاديث تنصب على الربح والخسارة واخيرا قرر ان يفض الشراكة مع صديقة ويأخذ المبالغ التي عنده والتي تراكمت من بيع صفقات قديمة من السيارات ... الكلام لا يزال على لسان الزوجة لزوجها ووصفت له الشاب بانه شاب من عائلة معروفة وذكي وبعمل بيع السيارات منذ فترة طويلة ... ولكن حدث خلاف بينهما في الاونة الاخيرة على توزيع الارباح واصر ابني على فسخ الشراكة وطالب صديقة برد المبلغ العالق بينهما الا ان صديقه رفض ذلك واعتبره مبلغ ميت وقديم ومر شهر على هذا الموضوع وقد انزعج ابني من صديقه واخذ يقاطعة وتوسط اخيرا بعض الاصدقاء واتفق الجميع على تقسيط المبلغ وعندما حان موعد استلام القسط الاول ذهب ابني (م) الى المعرض ومن ذلك الوقت لم يرجع ولم نعرف مصيره ... وتستمر الزوجة في كلامها وبدأت الدموع تنهمر من السيد (ع) وبعدين شنو صار كولي ! وترد الزوجة لم يرجع ابني منذ ذهابه ... انتظرنا يومين بعدها اخبرنا اخوك وسجل اخبارا بالشرطة عن اختفاء الولد ... بحثت في اوراقه عن شيء يدلل على وجوده ... اتصلت بالشاب صديقة وذكر لي بان ابني لم يحضر لاستلام المبلغ منذ ان اتصل به ... حاولت الاتصال مع اصدقائه وبرقم هاتفه ولكن لم يرد احد ... وعندما فشلت كل المحاولات ذهبت مع اخوك الى صاحب المعرض واستقبلني الشاب مع والده ورحب بنا واظهر تأثره على فقدان ابني وانه كان مسافرا الى البصرة قبل يومين ورجع اليوم ... لم استوعب هذه القصة ... قصة ذهابه الى البصرة في اليوم التالي لاختفاء ابني ورجوعه امس ... هنا انهار السيد (ع) في البكاء وارتفع صوت بكائه ... لم يستطع التفكير حاول السيطرة على اعصابه ... فلم يستطع ... ابنه ضاع منه ولا يعرف أي شيء عنه ... دقائق طالت الى ساعتين ... اتصل بأخيه وطلب منه الحضور ليذهبا الى الشرطة وتقديم شكوى ضد الشاب صاحب المعرض ... توجه الى مركز شرطة الوشاش وقدم شكوى اصولية واتهم الشاب بخطفه وبدأ رحلة اخرى عبر هواتف اصدقائه ... استطاع مقابلتهم لكن احد لم يعرف مصير ابنه !.. وحتى كتابةما هذه السطور لم يعرف السيد (ع) عن ولده أي شيء ... يقول لا اعرف ان قتل او لا يزال عايش ... لم يتصل بي احد لا الشرطة ولا الناس ولا الاقرباء ولا من اصدقائه المقربين منه ! هناك شكوك كثيرة تدور في رأسي تقول انه قتل او لحد الان مخطوف ... لكن الى متى تظل الشكوك هي الشيء الوحيد الذي يعيش برأسي ... في النهاية تركت السيد (ع) بعدما حكى لنا لغز اختفاء ابنه ودموعه ما زالت تتساقط على خديه ليترك خلفه عدة اسئلة تدور حول اذا ما حدث مكروه لهذا الشاب ام لا ؟ واذا كان على قيد الحياة فاين يعيش ؟ ... ففي النهاية لا يزال امل السيد (ع) كبير بارادة الله فهو يؤمن بالقدر والاجل المحتوم !