TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قادسية "چلوب"

قادسية "چلوب"

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 04:47 م

هاتفني صباح أمسن أحد أقاربي بالعراق يخبرني أنه رزق بمولود ذكر وطلب مني أن أختار له اسما. تمنى علي أن يكون الاسم نادرا أو على الأقل يبدأ بحرف نادر. ليش؟ لأني يا ابن عمي قرأت كتابا يقول إن الحرف الأول من الاسم يؤثر على مستقبل صاحبه. وكلما كان الاسم أو الحرف الذي يبدأ به الاسم شديد الندرة، يكون حامله ذا حظ عظيم. سمّه "چلوب". صمت قليلا ثم عاتبني: ليش تضحك عليه، بربك هوه هذا اسم. أقسمت له باني لا أضحك عليه بل إني أحب هذا الاسم جدا. قال لي خلف الله عليك وودعني.
حقا إني أحب اسم "چلوب". فكل من عاشرتهم بهذا الاسم لا يمكن أن أنساهم رغم أني لا اعرف معنى الاسم بالضبط. فإن كان البعض يظن انه مأخوذ من الكلب، فلا اعتقد ذلك. فالشائع أن اتخاذ الكلب اسما غالبا ما يكون بالتصغير. "كليب"، بالفصحى  و " چليب" بالشعبي. وقد يصغرونه أكثر فيدعونه "جريو".
أغرب ما بالأمر أن من عرفتهم بهذا الاسم، وهم قلائل، كلهم شيوعيون. كان "چلوب" هو مسؤول عمي، وجد أولادي، الشيوعي وصديقه الروحي. وعندما توفي عمي في العام 1963، ظل "چلوب" وفيا لعائلته يقتسم معها راتبه لزمن طويل. كان صديقا لنا، نحن الأطفال بتلك الأيام، يحبنا ونحبه أكثر من أبينا. لا احد يذكر اسمه اليوم فينا، صغارا أو كبارا، إلا وخنقته العبرة والحسرة.
وهناك "چلوب" آخر لم ألتق به بل أحببته بفعل ما اسمعه عنه من مواقف. كان معلما في إحدى المدارس الابتدائية في السبعينات بمدينة الثورة. وفي المدرسة ذاتها كان معه الشاعر شاكر السماوي وصديق عزيز عليّ يعمل معاونا فيها اسمه محمد لطيف الذي غادر العراق مع هجرة المثقفين في العام 1979. كلما التقينا بشاكر يحكي لنا عن "چلوب" و "حسچته" القوية. من بين ما نقله عنه محمد لطيف أن المشرف التربوي (المفتش) قد زار مدرستهم. وبعد نهاية الزيارة كتب تقييما خاصا بكل معلم، لكنه أعطى أضعف درجة تقيمية للأستاذ "چلوب". سأل المشرف: ليش أستاذ؟ لأنك الوحيد لم تكتب شعارات "زيادة الإنتاجية" للسيد النائب على حائط صفك الذي أنت مرشده. ها؟ يا أستاذ هي شراح تكلفك غبر فرچة وصبغ؟ مو تدلل، إذا هيّه عالصبغ بيك خير وخذ صبغ من باجر يا حضرة المفتش.
وفي أيام دراستي الجامعية المسائية تعرفت على طالب فيها اسمه "چلوب" وهو معلم وشيوعي أيضا. أذكر أن زارني في الكلية فجأة جمع من شعراء البصرة الشعبيين، جاءوا لبغداد برفقة فرقة بصرية لعرض اوبريت مسرحي. كنت في اشد الحرج، إذ لم أكن متهيئا ماديا لضيافتهم. وأنا في طريقي لباب الجامعة سمعت صوت "چلوب" يناديني . اقترب مني وقال لي أكيد أن وضعك محرج، ودس بجيبي خمسة دنانير. كم أنت رائع يا صديقي الذي قرأت حالي من دون أن أخبرك بها. فأين أنت الآن يا ترى؟
بشكل عام كانت، "الحسچة" وسرعة البديهة أهم ما يميزان كل "چلوب" عرفته. أما من الذين لم أعرفهم فهناك "چلوب" آخر ذاع صيته بين أهالي الثورة في أيام الحرب مع إيران. لقد قتل له بالحرب واحد من أبنائه. ثم تبعه الثاني والثالث والرابع. حزن الرجل في فاتحة آخر أولاده وتساءل مذهولا: بالله بربكم هيّه هاي قادسية صدام لو قادسية چلوب؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. عبد السلام عارق

    خير الاسماء ان تقابل به رب العالمين وعلى الوالدين اختيار احلى الاسماء لاولادهم ويو ينادوهم باسمائهم يوم الحساب.فهل اسم جلوب هو اسم جميل بالنسبة لك اعتقد اسم لا يحمل اى صفة جمالية به وملاحظة ثانية للموضوع المنشر ليس هناك اى علاقة بين اسم الموضوع والنص فانك

  2. ليث العراقي

    شكرا إستاذ هاشم .. ليتنا نعيش زمان رفقة مثيل لأحد أولئك الذين يحملون إسم جلوب ؟؟ ولكن ليس لإشتراكهم بحمل هذا الإسم ؟ بل كزنهم يحملون صفات الشيوعيون العراقيون الإصلاء والأوفياء لشعبعهم وممن حرم هذا الجيل من عطاياهم الإنسانية ومواقفهم الوطنية

  3. سيد جلوب سيد الكعبي

    الاستاذ جلوب رحمة الله عليه لم يكن في يوم من الايام شيوعيا نعم كان وطنيا ونحن ابناءه نعرف ذلك ولكن السواد الاعظم من اصحابه كانوا شيوعيون كرشيد الخيون وشاكر السماوي ومحمد لطيف

  4. باقر

    انت رائع يااستاذ انا جدي اسمه جلوب وكان انسانا رائع توفي الله يرحمه كان مكافحا شكرا ع المقاله الرائعه انا من مدينة الكوت نتمنى منك زيارتنا

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram