اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > حياة عراقية.. بلا ألوان

حياة عراقية.. بلا ألوان

نشر في: 7 يوليو, 2015: 12:01 ص

في ظل الانفتاح الاقتصادي وازدهار الأسواق العراقية، صار من السهل على الفرد العراقي، بعد عقود من الحروب والحصار، أن يبادر بتغيير أثاث منزله ويستبدله بما يتلاءم مع روح الحداثة، سيما وأنه بات مطلعاً بما يكفي على اخر التحديثات في مجالات الفن والعمارة وا

في ظل الانفتاح الاقتصادي وازدهار الأسواق العراقية، صار من السهل على الفرد العراقي، بعد عقود من الحروب والحصار، أن يبادر بتغيير أثاث منزله ويستبدله بما يتلاءم مع روح الحداثة، سيما وأنه بات مطلعاً بما يكفي على اخر التحديثات في مجالات الفن والعمارة والديكور، نظراً للفرص التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال والمعلوماتية.
لو افترضنا، أن صاحب منزل لديه الرغبة في تغيير ديكور معين في منزله، فإنه سيحرص كثيراً على اختيار قطع الأثاث التي تتناسب والوان الجدران وتنسيق الستائر، لكن هل سيحرص في ذات الوقت على اقتناء لوحة تزين المكان، تعود لرسامين عراقيين او عالميين من كاليريهات معروفة؟
هل اختلفت المعايير التي تتحكم بذائقة العراقي، وهل ألقت النزعة “الاستهلاكية" المتفاقمة بظلالها الثقيلة على هذا الجانب الحيوي من حياته كذلك؟

 

معرض.. ونخبة

في معرض تشكيلي أُقيم أخيراَ وسط بغداد، انقسم الحاضرون بين عدد قليل من المهتمين فعلاَ بموضوع اللوحات المعروضة، وبين من كان حاضراَ لـ"مجاملة" صاحب العمل او ممن تربطه علاقة صداقة او زمالة مهنية.
انشغل غالبية الحاضرين بالتقاط الصور الشخصية وتهنئة صاحب المعرض على اعماله، في حين ان الحوارات التي كانت على هامش المعرض لم تهتم بفكرة الأعمال، أو ما قدمه الرسام فيها. لقد كان المكان اشبه ما يكون بملتقى لمجموعة من الاصدقاء لم يلتقوا ببعض منذ مدة طويلة، فجاء المعرض ليقدم الفرصة للقيام بذلك.
هذا المناخ، ليس ميزة هذا المعرض وحسب، بل صار من المألوف أن تصبح الأعمال الفنية في المعارض الشخصية أو المشتركة خارج دائرة اهتمام من يحضرها، بل من النادر أن يخرج رواد المعارض منها، وقد اقتنوا لوحات أو منحوتات فنية.
يقول ماجد اللامي، صاحب كاليري لبيع اللوحات في بغداد، إن “سوق الفن التشكيلي في التسعينيات لا يقارن بوضعه اليوم. لقد تغير مزاج الناس، حتى النخبة منهم، ولم تعد تغريهم فكرة اقتناء لوحة لأنهم يحبون الفن والرسم”.
ويضيف اللامي، “يأتي الناس لهذا المكان، ويشاهدون على قلتهم الأعمال التي أعرضها (…) في أغلب الأحيان لا يسألون عن لوحة معينة، وربما كانوا يتوقعون أنني أبيع لوحات للاعبي كرة القدم، أو مغنين معروفين”.
ويمضى إلى القول، “الرسام في هذه الحالة أسير للسوق، صاحب الكاليري هو من يحدد له اللوحة التي يمكن بيعها، بل أنه يخبره بالفكرة التي يجب رسمها (…) لا يمكن أن يكون الفنان على يقين بأنه سيرسم لوحة يحبها، عن فكرة ما في رأسه، ليتوقع أنها ستعجب أحداً”.
ويقول، إن “رجال الأعمال وقادة الأحزاب يطلبون لوحات لتزيين جدران مقراتهم ومكاتبهم، ولديهم قرار مسبق عن اللوحة التي سيختارونها قبل أن ترسم حتى (…) نحن نبيع لهم لوحات عن الخيول، والمواقع الآثرية، وشخصيات دينية أو سياسية لها رمزية خاصة بهم”.
لكن اللامي يقول، إن “العراقيين في الخارج يهتمون بالرسم الذي ينتجه فنانون عراقيون في الداخل، ويدفعون مبالغ جيدة من أجل عمل تجريدي أو سريالي”.
حسن ورمزي.. وحياة بلا ألوان
في منطقة الكرادة بين شارعي النضال والسعدون خلف بدالة العلوية، تشخص لوحة كبيرة بطول 6 أمتار وعرض 4 أمتار تمثل العالم (ابن سينا)، يقال ان الفنان ناظم رمزي كان قد رسمها على جدار تابع  لمستشفى حمل اسم (ابن سينا) قبل اكثر من ستين عاماَ، المشفى الذي تحول الى اسم اخر لاحقاَ هو (مستشفى فيضي) لصاحبه الدكتور فيضي الفيضي، بعد ان تم نقل مقر المستشفى، لاحقاً، إلى المنطقة الخضراء.
لكن اللوحة، ظلت علامة دالة على باب المستشفى الى ان تم التخلي عنها ومن ثم نسيانها خلال الاحداث الكثيرة التي مرت على العراق، وتحولت البناية الى مكان خرب، ولم تعد ترى بسهولة بعد ان بني امامها جدار وساحة لوقوف السيارات.
وجدارية ناظم رمزي ليست الوحيدة التي تعاني الاهمال، بل سواها الكثير، ولعل جدارية فائق حسن في ساحة الطيران وسط بغداد هي خير مثال على ذلك، تلك الجدارية التي نفذت بالموزائيك لكي تقاوم حر الصيف، لم يدر ببال فائق حسن الذي نفذها بالاسلوب التكعيبي المعاصر انها ستعاني من الاهمال أيضا، فهل هذا يعني اننا امام حالة تغيير واضح في الذائقة، انتهت إلى حياة من دون ألوان؟
أمام هذا المشهد، سيكون من الصعب على الرسام في العراق العيش في بيئة مشجعة، سواء من جهة قدرته على التواصل مع جمهور واسع من المتلقين، أو قدرته على تأمين احتياجاته الشخصية.
تقول حسناء طبرة، وهي رسامة عراقية شابة، إنّه ”من الصعب الجزم بأن الرسام في العراق بإمكانه اتخاذ الرسم مهنةً وحرفة يعتمد عليها كمصدر دخل أساسي له ولعائلته، ثمة مصاعب جدية تحول دون ذلك، من أهمها سوق العرض والطلب وانخفاض الحاجة للوحات الاصلية والاستعاضة عنها بالرسوم الجاهزة أو المطبوعة”.
وأقامت طبرة معرضها الأول، مطلع نيسان الماضي، في شارع المتنبي وسط بغداد، وتقول إن “الخوف من قلة مرتادي معرضها، دفعها إلى اقامته في شارع المتنبي، حيث الحضور المكثف للنخب الثقافية، والمهتمين بالفن التشكيلي”.
ورغم أن للرسامة طبرة جمهور يتابع نشاطها داخل العراق، لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن غالبية من يقتني لوحاتها هم مهتمون بالفن يقيمون خارج البلاد، وتقول، “لقد قمت بشحن لوحات الى عمان ودبي، فيما تعذّر شحن بعض الاعمال الى لندن”.
 تقول ايناس العاني، وهي فنانة أحترفت الرسم منذ اواخر التسعينيات، ان"أغلب الاعمال التي قمت بأنجازها كانت رسماً على الزجاج والديكورات المنزلية، وهي تشهد اقبالاَ واهتماماَ من قبل شرائح واسعة من المجتمع العراقي، حيث يتميز العراقيون بكونهم يواكبون التطور الحاصل في الفن التشكيلي والحرف اليدوية، هذا ما التمسته في تجربتي واﻻحتكاك المباشر مع الزبائن المهتمين بفني منذ عام 1997 ولحد اﻻن"
وتضيف، "كان لدي كاليري خاص في بغداد، وحالياَ امتلك مرسماَ في مقر اقامتي في السليمانية، وقد اشتركت بمعارض دولية عديدة كان اخرها في شهر نيسان الماضي، والذي اقيم في العاصمة البريطانية (لندن)”.
وعن امكانية اتخاذ الفن كحرفة ومهنة اساسية بديلة عن الوظائف ذات الدخل الثابت، تقول ايناس "اعتمد على موهبتي في الرسم على الزجاج وتنفيذ الديكورات حالياَ كمصدر للدخل، والطلب على اعمالي يشهد تزايداَ سواء من داخل العراق او خارجه، وعملية البيع تكون عن طريق المهندسين والمقاولين والحرفيين من نجارين أوحرفيي السقوف المغربية ممن اتعامل معهم”.
لكن تجربة إيناس قد تكون مغايرة للواقع، بسبب الطريقة التي اعتادت على العمل فيها، ونوعية جمهور المتلقين الذين استهدفتهم.
الجمهور لا يعرف
قد تلعب المصادفة دورها في معرفة مواعيد عرض بعض الاعمال الفنية لبعض الفنانين والتي يقيمونها بين فترة واخرى، حيث تساهم مواقع التواصل الاجتماعي مساهمة كبيرة وفاعلة في زيادة عدد الحضور من المدعوين، وهذا قد تتحمل مسؤوليته الجهات المعنية بالواقع الفني والثقافي في العراق، التي قد يكون عليها الترويج أكثر لفعاليات من هذا النوع.
عن ذلك تقول صفية السهيل، العضو السابق في البرلمان العراقي، أن “الترويج الجيد للمعارض الفنية سيساعد الجمهور على المعرفة، ويحفزهم على حضور تلك الفعاليات”.
وغالباً، تمر مناسبات وأحداث فنية من دون أن ينتبه لها أحد، في حين يشكو أصحابها من ضعف الاهتمام، لكنهم في الحقيقة لم يروجوا بما يكفي لمعارضهم أو أنشطتهم الفنية. 
وفي ما يخص العلاقة بين السياسيين والفن التشكيلي، فإن السهيل، التي تدير مجلساً ثقافياً دورياً في بغداد،رأت أسباب ضعف اهتمام النخبة إلى “الظروف الأمنية التي تقيد حركتهم وحضورهم في مناسبات عامة أو خاصة مرتبطة بالفنون، فضلاً عن صعوبة الحصول على معلومات كافية عن توقيتات وأماكن المعارض”.
وتابعت السهيل، “لدينا تجربة ناجحة مع فنانات عراقيات، في المجلس الثقافي حيث احتضن معارض مشتركة مختلفة، وقد وجدت تجاوباً من زملاء في مجلس النواب، وأعضاء الحكومة ورئاسة الجمهورية
اما عن الذوق العام لدى النخبة السياسية واهتماماتهم الفنية بصورة عامة وما اذا كان للسياسي الوقت الكافي للقيام بنشاطات مماثلة فقد أكدت السهيل على إن “عدداً محدوداً من السياسيين العراقيين يحرصون على الذهاب إلى المعارض التشكيلية لاقتناء اللوحات”.
يبدو أن المشكلة أكبر من أن تنحصر بمتطلبات العرض والطلب، على صعيد اللوحة الفنية، فهي، من جانب آخر، تتأثر بالمناخ السياسي العام: الحفاظ على الحياة فترة أطول هو الشغل الشاغل للأفراد، لذا فمن البديهي أن تأتي الاهتمامات الثقافية في محل ثانوي، ومنها الفن التشكيلي، في المقابل لو لم يكن هناك رواد يقتنون الأعمال الفنية، لأقفلت الكاليريات أبوابها تماماً، وما كان الرسامون ليرسموا لوحاتهم.
لكن، من الواضح أن متطلبات حياة العراقيين تغيرت، ولم تعد الذائقة الفنية محل عناية واهتمام كي نجدهم يحرصون على طقوس ثقافية معينة، ربما لأن تأمين الحياة من خطر المفخخات أو العبوات الناسفة، والحصول على قوت العيش، جعل حضور معرض فني أو اقتناء لوحة بالنسبة لكثيرين ضرباً من البطر أو الترف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram