تقدير الموقف الذي كتبته قبل يومين عن "نهاية الانبطاح وخطورة الفراغ"، حظي باهتمام نبيل ومسؤول من بعض الافاضل والاصدقاء. ورغم ذلك فقد عاتبني احدهم بالقول انني اتخلى عن بعض التفاؤل الضروري. والطريف ان اخرين في الوقت نفسه يعتقدون انني متفائل اكثر من اللازم، والدليل انني لازلت اخاطب الساسة والقادة "بجدية وايمان بامكانية الانقاذ".
وما اريد قوله اليوم يتصل بحكاية قديمة، فقبل ١٦ عاما، كان احد الاصدقاء يحلم بتأسيس مركز "للدراسات المستقبلية"، كحقل علمي يهتم بالتنبؤ القائم على التقديرات التطبيقية، في شؤون الاقتصاد والمناخ والصحة وما الى ذلك. وهو ما دعاني يومها الى ان اسأل استاذا كبيرا حول رأيه بتأسيس هذا المركز الذي سيتنبأ بمستقبلنا! فاجابني بلا تردد: وهل يحتاج الامر الى نبوءة او مركز دراسات؟ انه مستقبل اسود دونما شك! الاسباب والمقدمات الواضحة، ستقودنا الى "هزائم واضحة".
وبمثل هذا اجيب على من يشعر ان في حديثنا عن الكوارث المحتملة، تشاؤما او تثبيطا للعزائم. فالقول بان هناك كوارث في الطريق ستصيب العراق والمنطقة، لا يحتاج نبوءة ولا مقالا. لانه اوضح مما كنا نتصور.
وقد اجبت الاستاذ الفاضل يومها، بما اقوله اليوم ايضا. فصحيح ان الكوارث المقبلة هي صفحات جديدة من الخسائر الواضحة. لكن هذا لا يعني ان الامم الحية تنسحب من التحدي، بل في كل لحظة من زمن الهزيمة، يمكن للهمم العالية وارادة التعقل، ان تخفف الخسارات وتنظمها، وتعيد تاهيل الناس الى دور جديد. وعلى الدوام سار التاريخ بهذه الطريقة. ولذلك ايضا كان المقال السابق يحاول ان يعيد وصف الحلول التي من شأنها تخفيف الازمات، ويتساءل عن السر في تاخيرها.
اما القول الذي يردده بعض الزملاء، باننا في حالة حرب ويجدر بالمحاربين ان لا يتداولوا احاديث تثير التشاؤم، فمعناه ان علينا ان نقوم بتاجيل كل نقد واعتراض، وان نقبل بوجود الاف الاخطاء، والاف ناقصي الخبرة الذين يديرون وزارات وملفات حساسة في بلادنا ويخفقون فيها ويتسببون بخسارتنا كل المعارك.
وعلى سبيل المثال فان اوربا غاصت في الحروب زمنا طويلا، لكنها كانت تراجع اداءها لتفهم اسباب الهزيمة. اي ان المراجعة الذاتية لا تحتاج الى ظروف انتصار. بل ان وقتها المثالي هو الخسارات الكبرى. وهذا ما قام به نيتشه في المانيا، وقبله فولتير في فرنسا، وبينهما كل من اسسوا للحداثة الفكرية التي كانت اعتراضا على فكر عتيق تسبب في شيوع الموت والفقر والجهل.
نعم، اننا لسنا بحاجة الى نبوءة بالكوارث المقبلة. ولعل "حلفاءنا الاقليميين والدوليين" يحرمون علينا التنبؤ، (كما يحرمون علينا التصالح الداخلي والتطبيع الاقليمي). لكن علينا ان لا نسمح لاي ظرف بمنعنا من مراجعة الاخطاء الرهيبة التي وقعنا فيها طوال اعوام.
ان عجز الصحافة عن كشف الاخطاء الحساسة، خوفا او خجلا او نقصا في المعلومات، لا يؤشر عيبا في الصحافة. بل يعني ان الشعب وقادة الشعب ونخبة الشعب، غير مستعدين حتى الان للاعتراف باننا فشلنا، وهذا اعتراف يجب ان يتضمن التزاما جديدا. مع العلم ان كل اصلاح سنقوم به، مهما كان كبيرا، لن يوقف النوازل والبلايا التي تحرق المنطقة، لكنه سيخفف من حدتها، وسيجعلنا مستعدين لنتصرف كعقلاء بعد انقشاع الكارثة.
انني مؤمن شخصيا، بان في البلاد شخصيات قادرة على هذا النوع من المراجعة. لكن ما يقلقنا ان هذه الشخصيات صامتة وغائبة ومنزوية منذ بضعة شهور. فهل فضلوا الابتعاد حتى نهاية حفل "الهراء والصراخ"، ام جرى ابعادهم بفعل نبوءات مزعومة او تقديرات يضعها ناقصو التأهيل والخبرة؟
لا نحتاج نبيا
[post-views]
نشر في: 6 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
ضعفنا نحن العراقيين بعد اسقاط النازيه العربيه هو عدم وجود القائد الوطنى الدى يرضى عنه الجميع ويكون له ماضى مجيد وعنده قدرة التوحيد ويكون دو ثقافه عاليه ومحبوب من الكل وله يدان نضيفتان ويكون فوق الأديان والقوميات والمداهب------------عند دلك نتقدم الى الا