قبل أيام اخذت سيارتي للتصليح ودخلت بها مجمعا "للفيترجية" بالقاهرة. توقفت عند أحدهم وشكوت له بعض اعراض اعطال "العربية" وسألته ان كان يستطيع إصلاحها. رد علي بوضوح وتواضع: والله يا سعادة الباشا انا بصلّح اللي من اختصاصي، اما الباقي فلازم تروح تشوف اللي متخصص فيه.
كم هو رائع ذلك الانسان الذي يعرف حدود تخصصه. وكم هو مقرف عندما يتقن عملا ما فينسى نفسه ويحشر انفه بأشياء لا علاقة لها بما يتقنه. لم نعهد بالعراقيين قبل زمن صدام انهم كانوا يحشرون انوفهم بالذي لا يخصهم الا ما ندر. جاء فتصور لأنه رئيس يحق له الحديث والتوجيه في كل تخصصات الحياة. زادها حتى شملت تخصصات الموت أيضا. من التربية الى الهندسة والى الطب والفيزياء والصيدلة. وصل الامر به في نهاية المطاف انه صار يعلم العراقيات صناعة المعجون على السطوح في زمن الحصار البغيض. سنّة لم تنتقل عدواها الى الذين تسلموا الكرسي من بعده، فقط، بل واصابت شريحة واسعة من العراقيين.
هل سمعتم بداخل حسن او حضيري أبو عزيز او ناصر حكيم او عفيفة اسكندر او مائدة نزهت تحدثوا يوما عن التربية والفنون والصحافة ونظرية اينشتاين؟ فما لنا اليوم ان كتب أحدنا بيت ابوذية جيد، يمنح نفسه الحق بالحديث عن "النظرية النسبية" و "أصل الأنواع"؟
يعجبني النجار الذي يهتم بفهم ادواته ويعرف كيف يستعملها. لكني امقت "البايسكلجي" حين يتحدث عن أنواع "مناشير" النجارة وطرق استعمالها. فكيف به لو انه تحدث في شؤون التربية والتعليم مثلا؟ ما احلاه لو تحدث عن طرق اصلاح "البنجر" ووسائل تفاديه قبل ان يحدث.
كلهم يتحدثون عن التربية. رئيس يجمع التربويين ويثرم بروسهم بصل تربوي. نائب يزور مؤسسة تربوية ليجتمع بالطلبة ويحدثهم كأنه عجوز تهذي بشرح نظريات نيوتن. حتى عازف الطبل صار يدلو بدلوه فيها وكأنها حايط انصيص. رحمك الله يا "عبد ارويح" لأنك كنت تعرف قدر نفسك حق المعرفة.
التربية علم بمعنى الكلمة. وانها سلاح ذو حدين لا يجوز اللعب به من قبل الجاهل او غير المتخصص به. فما رأيكم بكاتب "تمثيليات" صار أيضا ينظر فيها ويهدد بانه سيقلبها بالعراق رأسا على عقب؟ تقبل الله صيامكم.
في كل استكان يخوطون
[post-views]
نشر في: 7 يوليو, 2015: 09:01 م