TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > صانعــــــو الآلهـــــــة

صانعــــــو الآلهـــــــة

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 04:51 م

كاظم العبودي

قبل أكثر من 25 عاماً ، علقت ببالي لقطة من فيلم يحكي عن بعثة النبي محمد (ص  ( تساءلت في حينها عن صدقها مرات عديدة رغم صغر سني في تلك الفترة .
اللقطة هي إقدام أحد المشركين على أكل إلهه الذي صنعه من تمر عندما شعر بالجوع بعد أن كان يعبده ويتقرب إليه زلفا ويعرض عليه حوائجه الواحدة تلو الأخرى لقضائها.
لكنني سخرت من ذلك الرجل ولم أصدق أن إنسانا عاقلا يفعل هذا الشيء مهما بلغ به الجهل حتى وإن عاش في زمن الجاهلية.
مرت السنون وجاء بعدها المسلسل الإيراني "يوزر سيف" وشاهدت مرةً أخرى كيف أقدم البشر على صنع آلهتهم من حجارة في المعبد الكبير وكيف دافعوا عنها على الرغم من أن "الخماهو" ورجال معبد "آمون" كانوا يعمدون على تحريك الآلهة لإيهام الناس بقدرتها على التحرك وصنع المعجزات وهم يعرفون "كهنة المعبد" عجزها ووهنها، كذلك لم أصدق هذه المشاهد وقلت في قرارة نفسي مبالغاً فيها.
لكن ما مر به المشهد السياسي العراقي خلال هذا العام واطلاعي على أحداث وأخبار الأزمة السياسية في العراق بصورة عامة وعلى أفعال وأعمال المسؤولين بصورة خاصة جعلني أتيقن جهلي باكتشاف بعض من حقائق تلك المشاهد ،حيث اكتشفت صانعي الآلهة وهم ينتشرون من حولي أين ما أذهب لأنهم كثيرون في هذا البلد ولكن باختلافات بسيطة عن الماضي على الرغم من امتداد المسافة الزمنية الشاسعة بين أيام الجاهلية والجهل وعصر الحداثة والتطور والعولمة  التي نعيش فيها.
 بفوارق صغيرة جدا وهي أن أولئك الأشخاص(الجاهليين ) صنعوا آلهتم من الجماد بينما أحفادهم (افاد الخماهو صانع آمون الإله الكبير) صنعوها من البشر .
وباستطاعة أي عاقل أن يشخص بسهولة تلك الكائنات البشرية الصانعة للآلهة ،فهنالك مجاميع من العراقيين متخصصة بهذا المجال "صنع إله" وإحاطته بهالة من القداسة والرهبانية خصوصاً آلهة السياسة ،وهدف هذه الصناعة هو القضم وإشباع الكروش كما فعل ذلك الجاهلي في المشهد الأول "أكل إلهه التمري".
إن صناعة الآلهة من التمر وأكلها أيام القحط في سابق الأزمان يساوي صناعة آلهة النفط وآلهة المصارف والمكافآت و الإيفادات والسفرات ،فضلا عن آلهة التعيينات وآلهة الفساد في هذا الزمن ،لكن آلهة هذا العصر من لحم ودم دون أحاسيس ومشاعر "كآلهة معبد آمون التي يحركها الكهنة ليحصلوا على مبتغاهم من وراء هذه الأفعال".
إن " صانعي الآلهة" يقومون بإحاطة شخصياتهم الإلهية بأغشية ،أهمها الوهم والمديح المفرط الذي يجعل من الإله يحلق في السماء دون أن ينظر إلى من هو في الأرض ،يحلق عاليا ويرفرف بأجنحته الوهمية التي حيكت من  تبريد الأخطاء والكلام المعسول الذي  صاغه أحفاد "الخماهو".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: عندما يغط البرلمان بالنوم !!

العمود الثامن: أحلام الليبرالي الأخير

قناطر: من سقيفة بني ساعدة الى الساحل السوريّ

العمود الثامن: عبعوبه وعقدة دبي

الطَّائفيَّة.. " لا تَلد الحَيَّة إلا الحَيَّة "

طهران: العقوبات الأمريكية الجديدة دليل على الخداع وخرق القانون

المدى/بغداد دانت الخارجية الإيرانية بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات إيرانية بينها وزير النفط محسن باكنجاد، وناقلات نفط وشركات تجارية عدة. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن "العقوبات الأمريكية الجديدة على...

العمود الثامن: أحلام الليبرالي الأخير

 علي حسين هل شاهدتم مثلي رائد الليبرالية الحديثة في العراق قصي محبوبة وهو يقف بكل اريحية يقول لأحد مقدمي برامج هذا الوكت الفضائية: "هذا زعيم المجرمين". ولا تعتقد عزيزي القارئ أن رائد الليبرالية...
علي حسين

كلاكيت: الشباب في مهرجان الشباب

 علاء المفرجي بعد ماراثون كبير خاضته بغداد والمحافظات العراقية في أنعقاد المهرجانات السينمائية، والتي كانت تتشابه من حيث شكلها ومضمونها، بل وأخطائها حتما، فكان الفشل عنوانها، أو نتيجة للتسرع في إقامتها. انعقد نهاية...
علاء المفرجي

سوريا: من المأساة إلى الجريمة المضادة.. صيف الطوائف الحارق

أحمد حسن ما جرى ويجري في الساحل السوري، وخاصة في جبلة، يعيد إلى الأذهان أبشع الفصول الدموية التي عاشتها المنطقة، من مذابح الإيزيديين في العراق إلى المجازر التي ارتكبتها الجماعات الجهادية في مناطق النزاع...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram