الإماراتيون من الناس الأغنى في العالم، وكذا السعوديون.. ومع هذا لا يُعدمون وجود أثرياء من أبناء جلدتهم يتبرعون لهم بجزء معتبر من ثرواتهم لتحسين شروط الحياة وزيادة الرفاه في البلاد، بل إنهم يوسّعون دائرة هذه التبرعات لتشمل العالم العربي كله وبلدان أخرى.
منذ يومين أعلن ثريّ إماراتي، هو عبد الله أحمد الغرير، عن تخصيص ثلث ثروته لإطلاق مؤسسة تعليمية تعنى بتزويد جيل الشباب في بلاده والعالم العربي بالكفاءات والمهارات اللازمة ليكونوا قادة المستقبل. سيكون هذا عبر تقديم منح دراسية جامعية بميزانية أولية تبلغ 4.2 مليار درهم إماراتي (أكثر من مليار دولار أميركي) على مدار السنوات العشر القادمة، يستفيد منها أكثر من 15000 طالب وطالبة، مخصصة للمتفوقين من العائلات محدودة الدخل في دولة الإمارات والعالم العربي، وتدعم برامج تهدف لتطوير الابتكار والتميز في التعليم.
وقبل ذلك باسبوع فقط كان الأمير السعودي الوليد بن طلال قد مضى أبعد من ذلك بالتبرع بكامل ثروته المقدّرة بنحو 30 مليار دولار لصالح برامج إنسانية من شأنها دعم المجتمع، والقضاء على الفقر، وتمكين المرأة والشباب، ومدّ يد العون عند حدوث الكوارث الطبيعية، وبناء جسور بين الثقافات.
هذا هناك، في الامارات العربية المتحدة والسعودية، أما هنا، في العراق الذي هو أيضاً من الدول الرئيسة المنتجة والمصدرة للنفط كالسعودية والإمارات، فان كل شيء يمشي بالمقلوب.. نحن، بخلاف الإماراتيين والسعوديين، تمسّ حاجتنا إلى كلّ شيء، من لقمة الخبز الى الكهرباء والصرف الصحي والسكن وحتى الماء مع اننا في بلاد الرافدين! .. فقراؤنا بالملايين والعاطلون عن العمل منّا بالملايين أيضاً وكذا الامّيون. ونحن، كالإماراتيين والسعوديين، لدينا مليارديرية، مثل الاماراتي عبد الله احمد الغرير والسعودي الوليد بن طلال، معظمهم حقق ثروته الطائلة في فترة زمنية قياسية (العشر سنوات الأخيرة) عبر الفساد الإداري والمالي وغسيل الأموال وتهريب النفط والاستحواذ على أملاك عامة وخاصة وشراء أملاك عامة بسعر التراب. لكن مليارديريتنا بدلاً من أن يقدّموا التبرعات والهبات لسدّ بعض إحتياجات المحرومين من أبناء شعبهم، ما انفكّوا يبتكرون الطرق والوسائل الجهنمية لمضاعفة نهبهم المال العام خصوصاً، فثمة معلومات تفيد بأن ما يجري غسله من أموالنا يُقدّر بأربعة مليارات دولار شهرياً.
وزارة التخطيط أعلنت أمس الأول أن لا مناص من ترشيق خطة المشاريع الاستثمارية في البلاد ضمن موازنة العام المقبل إلى 30% فقط. هذا معناه أن العام المقبل، كما العام الحالي والعام الماضي، لا حصة في موازنته للمشاريع الاستثمارية التي يُمكن لها أن تنتج سلعاً وخدمات نحتاجها وتقلل من مستويات الفقر والبطالة.
منظمات محلية ودولية تقدّر حجم الأموال العراقية "الضائعة" بمئات مليارات الدولارات.. هذه الأموال ليست غارقة في البحار والمحيطات أو مطمورة في الوهاد.. انها مسروقة ومصدّرة إلى خارج البلاد، مخبأة في البنوك وأسواق العقارات خصوصاً.. معظم "أـصحابها" معلومون لأنهم من أعضاء الطبقة السياسية المتنفذة في الحكم.
السؤال: لو أن أثرياءنا هؤلاء يتحلّون، في لحظة تجلّ، ببعض مما لدى الإماراتي عبد الله أحمد الغرير والأمير السعودي الوليد بن طلال من حسّ إنساني ووطني، ويقررون التبرع بخمسة بالمئة فقط من "ثرواتهم" (التي نهبوها من مالنا العام)، كيف ستكون عليه حالنا؟
لو يفعلها مليارديريتنا!
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ياسين عبد الحافظ
شكرا لمقالك، واعتبره اضافة حيويه وعمليه فهو يلقى الضوء على واقع معاصر بعيد عن التاريخ وتعقيداته المثيرة للجدل، اشجعك وامد يدي اليك ولكل من يسهم بهكذا اضافات واقعية تلجم المتقافزيين والباحثين بين السطور والكلمات عسى ان يجدوا ما يشفى النف وس الكسلى والروح ا
محمد كريم
شكراا لك ااستاذنا
محمد كريم
مبدع