لم أستطع أن أتخلص من مرض مزمن ، وهو متابعة يوميات السياسيين في بلاد الرافدين، حاولت أن أشفى من هذا الداء العضال، كما فعل الكثير من الأصدقاء، لكن بلا فائدة، والسبب أن تلك التجربة السياسية التي توقّع العالم أن تصبح نموذجا يحتذى به، أخذت تدخل بفضل العديد من الساسة والمسؤولين إلى مراحل من السطحية، اذ لم نقل من المهازل.
بعد الاطاحة بنظام صدام ، توقع الناس الذين عاشوا عقودا من الدكتاتورية بأنها ستفتح الأبواب والنوافذ للمستقبل، حتى أطلّ السياسيون برؤوسهم، فانفصمت عرى البلاد وتفرق الناس شيعا وأشياعا بفضل حكمة وحنكة العديد من المسؤولين الذين لم يتوقفوا عن تقديم كل ما هو فاشل ومزيف، وإشاعة كل ما يمت إلى الكذب والخديعة والعنف.
منذ يومين ونحن نعيش في ظل سفسطة سياسية وامنية ، لايريد لها اصحابها ان تنتهي، فمرة تخبرنا وزارة الدفاع انها طالبت بمدة زمنية، للاتفاق على مبلغ الـ"الفصل العشائري" لعوائل ضحايا السوخوي، فيما يؤكد مسؤول آخر ان طائرات السوخوي قديمة ، ومثل هذه الحوادث واردة جدا ، وبعد ياسادة ، يقولون لك ننتظر صفقة " الأف 16 " فهي وحدها القادرة على كسب المعركة وتجنب الاخطاء.
الدموع التي ذرفها البعض خلال الايام الماضية من اجل ضحايا النعيرية تجعلنا نضرب كفا بكف ونتساءل من أين لهم كل هذه الطاقة الجبارة على حرق الحقائق والقفز عليها؟، بحيث يريدون منا ان ننسى مئات المليارات التي صرفت على تسليح الجيش ، والنتيجة طائرات سوخوي اخطائها " واردة جدا " لا احد يريد ان يسأل اين وصلت نتائج التحقيق بصفقة الفساد الشهيرة التي طارت بها كراسي مسؤولين روس كبار؟ ، بينما نحن كافأنا اصحابها، فمنهم من عاد للبرلمان منتصرا، ومنهم من منح لقب "الفخامة" وآخرون يتبادلون في العلن لقب "معالي".
كان البعض يتصور أن فضيحة الاسلحة الروسية ستكون الاخيرة في سجل فضائح الدولة العراقية ، أو ان الذين قاموا بها هم نفر ضال لايمثلون الحكومة ، لكنها كانت عملية سطو منظم على مقدرات وثروات البلاد.
هل هناك أسوأ من مشهد مقتل الابرياء في النعيرية؟ سنقول: نعم، إنها تصريحات النائب عن كتلة المواطن محمد اللكاش، والتي قال فيها: "ان التصويت على اقليم جنوب بغداد هو الخيار المناسب للخلاص من دكتاتورية الحكومة المركزية."
عَلامَ التغيير اذن، إذا لم يكن في الإمكان الحصول على نتائج أفضل ومحاسبة الفاشل؟ ما الذي سيتغير اليوم ما لم نغير وجوه الأمس ، التي يستمر اصحابها بعرض مبارياتهم اليومية، من على شاشات الفضائيات دون ان يلتزموا بقواعد الامانة والصدق والشجاعة ؟