عبد القادر أحمد العيداني، اسم يبدو من عامة الناس، لرجل يخطو بخطى هي الاقرب إلى الثمانين سنة، رأيته مرات عدة وهو يدخل علينا غرف الادارة او وهو يسلمني شيئا من كتاباته أيام كنت أعمل في جريدة المنارة بالبصرة. ورأيته أمس في شارع الفراهيدي، وهو يعلق شريطا من الصور الفوتوغرافية، صوره مع صور أخرى لسجناء سياسيين أجهز الدهر على شطر من أعمارهم هناك. العيداني هذا كان ضمن الذين أطالوا المكث نزيلا في سجن نقرة السلمان وسجون أخرى فالصور تبين انه قضى سنوات طويلة هناك، كمعارض شيوعي، العيداني وقف ضد الأنظمة الملكية قبل الجمهورية الأولى وسجن بتهمة الوقوف ضد الملكية ومن ثم سجن في العهدين العارفيين وتنقل بين سجون كثيرة، لكنه اليوم يقف امام صوره يبحث في الزمن عن لحظة تنصفه.
قرب شريط صور السجون التي غلفها بالنيلون السميك، في سعي منه لحفظها كما يبدو ذلك ، يقف العيداني يعلق وساما وحيداً، شارة حمراء لم أر بين الناس الذين حوله من يستحقها أكثر منه، وبابتسامة حييةٍ راح يشرح لنا جغرافيا الصور، احداث وتواريخ وامكنة هي الاقرب الى الخيال اليوم، عنده تشعر بضآلة من حولك، أما إذا تجرأت ببصرك تجاه من في المبنى الحكومي أو داخل المؤسسات الأمنية – الادارية يشعرك العيداني هذا بان المنعطف السياسي الذي تتمظهر صوره داخل الحياة العراقية عبارة عن كذبة كبيرة، او مؤامرة لصوصية قام بها نفر من الناس سرقوا خلالها التواريخ والاسماء والاوسمة والنياشين ثم عرجوا على أصحابها الحقيقيين يقتلونهم في الخفاء مرة بالرصاص وأخرى بالمُدى وثالثة بالسخرية والنفي والإهمال. عن أي صور، أي زمن يتحدث العيداني عبد القادر هذا؟
مثل العيداني، القيادي الشيوعي كنت ألتقي بين حين وآخر الداعية المخضرم، العم أبو صاحب (كاظم يوسف التميمي) أحد مؤسسي الخلايا الأولى لحزب الدعوة، وهو رجل لم يبن على جسده الكثير من اللحم، ربما هو في عمر العيداني اليوم، لا يجهل أحد في حزب الدعوة مكانته، فآراؤه وأفكاره وتأريخه تدرس في أدبيات السياسة الدينية العراقية، ترك الحزب بعد عودته من إيران، التي أقام فيها سنوات طويلة هاربا مطاردا من نظام صدام حسين، ويذكر الدعاة الذين عملوا معه أنَّ مرشد الثورة الايرانية علي الخامنئي كان زاره في المستشفى حيث أجرى عملية جراحية هناك، بما يفسر لنا المنزلة الرفيعة التي كان عليها الرجل. اليوم يدخل داره عائدا من المسجد، عقيب صلاة الفجر فلا يغادرها إلا لحضور مجلس عزاء او لقضاء حاجة من حاجات بني الانسان الكثيرة. عن أي زمن ستكتب أيها العم (أبو صاحب) وقد اقتنعت من ذلك كله بعمل مضن، تصحح فيه أخطاء الكاتبين في الجريدة التي رأيتك تدخل مبناها ذات يوم، بعمارة الحاج جاسب. وسط العشار؟
لم يتمكن الحزب الشيوعي من الفوز بالانتخابات ليمنح عبد القادر العيداني منصباً مشرفاً، لذا ظلت حاله كحال العشرات والمئات من الشيوعيين الذين أكلت أعمارهم جدران السجون، حالمين بغد افضل، بوطن حر وشعب سعيد، فعمد إلى الصور يعلقها منشوراتٍ عالية المعاني، في محاولة يائسة لحل معادلة رياضية مستحيلة النتائج، لكنه في الليل حين يغادر رواد شارع الفراهيدي، كل إلى غايته سيقف العيداني أما شريط صور سجونه عامر الروح، باسق الضمير، يشير بعصا روحه الطاهرة إلى المبنى الحكومي يتفحص الكراسي عالية الظهور الآهلة بشتى الاسماء ثم يسأل السؤال الكوني المحيّر. ترى هل بينكم من هو أحق مني بكرسيه هذا؟
اما العم (أبو صاحب) التميمي كاظم ابن يوسف، مؤسس الخلايا الأولى لحزب الدعوة، الذي تتراجع الأرض ذلّا وتفاهة تحت قدميه، فأظنه سيسأل السؤال ذاته، لكن بصيغة مختلفة أخرى. لأنه سيصل بغداد محمولا على عطر ماضيه، ويقف نقيا من كل شائبة وإثم، ثم يشير بإصبع هي الاطهر اليوم، يعلمها كل الذين هناك، سيقول ما هكذا كنا وما هكذا نكون. أيها العم الكهل، أنت يامن تسكن أقصى المنازل في القرية التي أقصى الجنوب كن حيث أنت، فالمنعطف خطير، لملم احلامك واغلق عليك باب دارك قبل كل ظلام. هذا زمن لن تبلغه بطهرك وحدك .
في تحية السجينين: عبد القادر العيداني والعم (أبو صاحب)
[post-views]
نشر في: 11 يوليو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
احمد الغيداني
الاخ الكاتب بالغت كثير في ابو صاحب ووصفته كأنه ملاك ليس من الحقيقة شيء للمقربين له والذين كانوا بتماس معه ٠٠ احداها لم يزره السيد الخامنئي الرجاء من الكاتب اظهار الحقائق صحيح حب الكاتب إلى أبو صاحب جعله يبالغ فيه تحياتي.. basrah5miles@gmail.com