تلاحظون ولا شك ان كل الاطراف المتخاصمة في منطقتنا تشتم داعش. رغم ان كل جهة تسعى لاستخدام داعش كفرصة لتصفية حساباتها مع الاخرين. وفي الوقت ذاته فان كل طرف يحاول تصوير داعش كتنظيم حليف لخصومه هو. السنة يقولون ان داعش صنيعة ايرانية. الشيعة يقول العكس. وكلاهما احيانا يشيران باصابع الاتهام لاسرائيل
لكن ما يهمني في النهاية هو ان الجميع يتهربون من حقيقة واحدة، هي ان داعش صنيعة انتكاساتنا. فهذا تنظيم بفكر مهووس اجرامي ولا شك، لكن فيه بعضا من عباقرة شعوبنا. اي الشباب "المحترفين" الذين تعبث بهم احلام العظمة والتدمير وحرارة العقائد والوعود المقدسة، وكان بالامكان ان نستفيد من طاقتهم هذه في البناء، ولان امتنا في لحظة انهدام فان كل البنائين عاطلون عن العمل، ومن الطبيعي ان يجري استقطاب حماس الشباب نحو هدم خطير. وكل تنظيمات الموت كانت نتيجة التخلف السياسي وانسداد الممكن في التنمية السياسية والثقافية وانقطاع الحوار
والاخطر في هذا الباب ان استمرار التخلف السياسي يمكن ان ينتج لنا دواعش ادهى واكثر فتكا، لن تهدد اسرائيل ولا اميركا بالطبع، بل ستفتك بنا نحن كما اصبح واضحا.
وبامكانكم ان تلاحظوا شيئا اخر على هامش الحوار النووي بين طهران والقوى الكبرى. فهذا الغرب يكشف عن تعاملنا المضطرب معه، كتعاملنا المضطرب مع داعش. ان معظم الاطراف في المنطقة تعتبر اميركا والقوى الغربية، شرا. لكن هذه القوى لا تخفي في هذه اللحظات انها تتسابق للتحالف مع اميركا. فالعرب "زعلانين" لان ايران ستصبح او قد تصبح "صديقة لاميركا". وايران نفسها كانت "زعلانة" على اميركا لانها صديقة الانظمة العربية! ومن يشتمون اميركا اصبحوا عاجزين عن اخفاء انها مثل فحل ثري قوي تطارده كل النساء ويتخاصمن في عشقه بالحلال والحرام
حتى في جدلنا الداخلي نتناقض كل يوم. فمن جهة نعتبر ان واشنطن سيئة وعدوة. ومن جهة نعتب عليها اناء الليل واطراف النهار لانها لم تساعدنا بما فيه الكفاية. وحتى حين نذهب الى روسيا، فاننا ندخل موسكو وعيوننا على واشنطن، حريصين على اخبار البيت الابيض باننا "زعلانون"! وكل زعلان يمكن ان يرضى
لكننا في هجاء اميركا وشتيمتها ننسى اشياء كثيرة. من قبيل ان القوى العظمى ليست جمعيات خيرية، بل هي تبحث عن "شركاء مسؤولين". واننا حين اصبحنا ضعفاء، فاشلين في مجالات التنمية، وقليلي الانتاج، فان اميركا ستبدي اهتماما اكبر بالامم المنتجة، في اسيا على سبيل المثال، وان الاقوياء في اسيا استطاعوا ان يصنعوا شراكة متوازنة تستحق التقدير مع الغرب الاميركي والشرق الصيني، لانهم دخلوا لعبة الامم من ابوابها المشروعة. بينما نحن العاجزون لا نمتلك الصبر الكافي ولا الجلادة المطلوبة لهذا الدور المسؤول، ثقافيا وتنمويا، ونتعارك على امتلاك المصباح السحري كي نمتلك المارد ويحقق رغباتنا المتعالية والمتسافلة. فمن يرضى عنه "المارد الاميركي" يصبح سيدا في الشرق الاوسط. ومن يغضب عليه يتعرض للعنة والطرد من الرحمة. وهذا حال كل الكسالى في الدوائر والمؤسسات الاعتيادية، ممن لا يؤمنون بجدوى العمل والموهبة، ويراوغون ويخوضون المعارك الدنيئة، كي يحظوا بقرب من الرئيس والمدير، ليحققوا احلامهم
ان الاطراف المؤثرة في المنطقة، تتصارع اليوم على "عشق الشيطان الاكبر". وحتى داعش، تحاول بجنون مشاريعها، ان تثبت لواشنطن انها طرف قوي يستحق الاعتراف وتبادل المصالح.
واكثر الاشياء ايلاما في هذا الباب، ان بلدانا مثل السعودية وايران، ورغم كل ملاحظاتنا على تخلفهما التنموي بمعايير الشرق والغرب، يمتلكان اليوم مسارا صاعدا في العلوم والتجارة والصناعة، بينما لا يتركان لنا سوى مدن محترقة في الشام واليمن وليبيا وغيرها، ولا نتحدث عن العراق الذي توقف زمانه منذ عقود، واصبحت سجالاته لا تخرج عن الف دينار تضاف او لا تضاف على سعر قنينة الغاز، وهو مشروع اشتراكي عتيق خاسر، بالالف او بدونه
السباق على الشيطان
[post-views]
نشر في: 11 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
هناك كتاب عنوانه لعبة الأمم----في هدا الكتاب يتعلم القارىء كيف تلعب أمريكا لعبتها كقوة عظمى--ان الدى أسس الحركه الناصريه والقوميه العربيه هو الولايات المتحدة والقصد كان ليس الامه العربيه متحدة بقيادة البكباشى جمال عبدالناصر والفريق محمد نجيب اللدان تحركا