بغداد / المدىالدموع كانت تملأ وجه (س) وهو يقف امام باب ثلاجة الجثث . منذ لحظات تلقى افظع خبر في حياته. زوجته الحبيبة فارقت الحياة وهي لم تتجاوز عامها الخامس والثلاثين . هكذا هي الحياة! منذ اقل من شهر كانت (ش) في كامل صحتها تملأ البيت بهجة ونشاطا ، ته
بغداد / المدى
الدموع كانت تملأ وجه (س) وهو يقف امام باب ثلاجة الجثث . منذ لحظات تلقى افظع خبر في حياته. زوجته الحبيبة فارقت الحياة وهي لم تتجاوز عامها الخامس والثلاثين . هكذا هي الحياة! منذ اقل من شهر كانت (ش) في كامل صحتها تملأ البيت بهجة ونشاطا ، تهتم باولادها الاربعة ، زوجها كان يؤكد للجميع انه يعيش اجمل ايام حياته مع زوجته المُدرسة لكن الزمن كان له بالمرصاد ، إذ اسدل ستارة سوداء تحمل كل معاني الحزن والاسى !
مرض سريع وتطورات مثيرة كانت اشبه بالزلزال الذي عصف بكيان الاسرة . لم يدرك الزوج انه سيواجه مفاجأة مؤلمة لم يتوقعها مطلقا . مسح دموعه وهو يقترب من مكان الجثة . كم كان صعبا على الانسان ان يرى اعز انسان عنده في هذا المشهد المؤلم؟ وقعت عينا الزوج على جثة زوجته التي غابت عنها الحياة . سقط على ركبتيه وهو يحتضن جثتها ويحدثها بكلمات لم يفهمها من حوله.
فجأة انتبه . دقق النظر في جثة زوجته وركز على عينيها ، فشاهد آثار دماء حول العينين . فتح عيني زوجته ليجد في انتظاره مفاجأة مذهلة ، كانت بلا قرنية . صرخ الزوج مذعورا، التفت حوله يبحث عن طبيب او مسؤول المستشفى يفسر له ما حدث ، فلم يجد سوى عامل الثلاجة الذي طلب من الزوج ان يتسلم جثة زوجته في هدوء حتى لا تتأثر الميتة بذلك ( فاكرام الميت دفنه ). كانت هذه الكلمات تدوي في اذنه ، شعر الزوج انه مصاب بانعدام الوزن لا يعرف كيف يتصرف . استمر في اجراءات تسلم الجثة وهو كالمسحور ، يشعر انه يعيش حلما مزعجا سيفيق منه بعد قليل. تم دفن الجثة في مشهد مؤلم للاطفال الصغار والاقارب .
فيما بعد أفاق من الصدمة ، وأخذ يسترجع ذكريات الايام السابقة . لم يصدق ان زوجته ماتت في لحظات . ادرك ان هناك من تسبب في موتها . اخذ الزوج يتذكر الحديث المثير الذي استمع اليه قبل يومين من وفاة زوجته ، هذا الحديث دار بين اثنتين من الممرضات . كانت مسؤولة قسم النسائية تكلم صديقتها وتقول : (والله لو زوجها يعرف الحقيقة ... لكان اشتكى على مدير المستشفى على هذه الخربطة ! ) كان هو في زيارة لزوجته وقبل ان يدخل ردهة النسائية استمع لهذا الكلام لكن لم يهتم به ، ولم يبحث عن سره ، وكان كل ما يشغله هو زوجته التي ترقد في الردهة بين الحياة والموت !
الان وهو جالس في العزاء وبدأ يفسر الكلام .. كاد يصرخ مؤكدا ان الاطباء اعطوا زوجته علاجا كيمياويا غير مناسب لحالتها . والان ادرك ان هناك مخططا للتخلص من زوجته للحصول على قرنيتها . كان يعلم ان تسعيره القرنية غالية . لذلك عمل الاطباء الجراحون عندما علموا بوفاتها للحصول على قرنيتها . كانت الفرصة امامهم مواتية ليعقدوا هذه الصفقة الشيطانية مع مجهول . سارع الزوج بعد انهاء مراسيم الفاتحة ليقدم شكوى على ادارة المستشفى يتهم فيها الاطباء بالتسبب في مصرع زوجته باعطائها جرعات مميتة من العلاج الكيمياوي حتى يسرقوا عينيها !
تحولت زوجته الى صفقة . جسدها اصبح قطع غيار لاحد الاثرياء في المدينة . وانهال (س) بالاتهامات على الاطباء والممرضين وطلب الاستماع الى شهادة الممرضة المسؤولة عن ردهة النسائية واستمر التحقيق في هذه القضية المثيرة ،كما قصها لي الزوج، اكثر من ثلاث سنوات . كانت حياته مع زوجته تسير بشكل طبيعي حتى ذهبت الزوجة ذات يوم الى طبيب الاسنان لخلع احد اسنانها ، وبعدها اصيبت ببعض المضاعفات ليتم نقلها الى المستشفى . هناك تدهورت حالتها لتصاب ( بالانهيار ) ، ويصاب الزوج بذهول ، لا يصدق ما يقوله الاطباء امامه . بدأت الزوجة تستجيب للعلاج لتغادر المستشفى وتعود لبيتها . كان عليها ان تستمر في تناول الدواء ، وكان زوجها ينقلها الى المستشفى لمتابعة حالتها كل خمسة عشر يوما. وتبدأ المأساة . ادرك (س) من اليوم الاول للعلاج ان الاطباء لم يعرفوا ويشخصوا حالة زوجته المرضية . بدأوا بإعطائها علاج المصابين بسرطان الدم . تدهورت حالتها يوما بعد يوم . يصرخ الزوج لوقف ما يحدث لكن ما من مستجيب . الاوراق والتقارير تؤكد ان زوجته نالت جرعات مكثفة من العلاج الكيمياوي . بدأت الزوجة تغيب عن وعيها وتنهار مقاومتها ، يحاول الاطباء التدخل واصلاح مسار العلاج ولكن بعد فوات الاوان. العلاج الكيمياوي الكثيف ادى لانهيار وظائف الكبد . ادرك (س) ان حالة زوجته شديدة الخطورة .. وحينما شاهدها اخر مرة ادرك انها على ابواب الموت . كان يحاول ان يفعل لها أي شيء ولكن دون جدوى .
في يوم وفاتها جاء لزيارتها ، لكنه لم يجدها في الردهة فقد تم نقلها الى غرفة العناية المركزة . منع الاطباء عنها الزيارة بسبب حالتها الحرجة . لم يكن الزوج يعلم ان زوجته فارقت الحياة . ولكن الاطباء رفضوا ان يخبروه بهذه الحقيقة خوفا من ردة فعله . في اليوم الثاني كان الزوج يشعر بما حدث . اشفق عليه احد الممرضين وبكل هدوء طلب منه ان يمتثل لقضاء الله ، انهار ، وبدأ يستعد للمشهد الاخير. عندما افاق من ذهوله بدأ يتصل باقربائه لاتخاذ الاجراءات القانونية ضد المستشفى ... ولكن الزوج فشل في ايجاد ادلة مادية تدين الاطباء بعد دفن زوجته . كان يدرك انه سجل الدعوى القضائية متأخرا ولكنه كان يعود الى البيت ليواجه محاكمة ابنائه له على تأخره بذلك . نظرات اللوم كانت تحاصره .. حملوه مسؤولية الدفاع عن حق امهم الراحلة. كانت كلمات الابناء الوقود الذي يدفع الاب ويحركه ليستمر في رحلة ظلت اكثر من ثلاث سنوات ، ولكن مصير القضية مثل بقية القضايا كان الحفظ في مركز الشرطة لان مدير المستشفى كانت له سطوة التأثير على القضاء واجهزة الشرطة .