خالد الرحال في شهربان

اهل شهربان احبوا الزعيم عبد الكريم قاسم لشعبيته وبساطته فهم عاصروه امر اللواء التاسع عشر في معسكر المنصور، وكان يتواصل معهم بشكل يومي وهو يطوف في جوانب المدينة بسيارة الجيب، التي طالما حملت ابناءها ممن تقطعت بهم الطرق انذاك. ولازال الكثير منهم يفخرون لانطلاق ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ من مدينتهم.

لقد اقيم النصب في حديقة في وسط المدينة سميت (حديقة الزعيم)، حيث مازالت الحديقة تحمل هذا الأسم الى يومنا هذا رغم تغييره الى (متنزه 14 رمضان) بعد انقلاب الثامن من شباط (الذي صادف الرابع عشر من رمضان) عام 1963، وحسب د. بهروز الجاف ان النصب عبارة عن تمثال من تصميم النحات المعروف (خالد الرحال) بارتفاع مترين يعتلي مدرجا بارتفاع خمس تدريجات سلم اعتيادية فوقها منصة مربعة بارتفاع نصف متر، ويبدو الزعيم فيه لابسا بزة العرضات العسكرية ورافعا يده اليمنى محييا الجمهور وهي التحية التي تميز بها. ويقول ايضا ان التمثال بقي في مكانه حتى عام 1963 حيث تم رفعه ونقله الى دائرة مديرية البلدية في محلة الرمادية وجرى دفنه في حديقتها لسبب لم يعرف لحد الآن، وفي عام 1970 اخرج التمثال ونقل الى بغداد حيث جرى عرضه في المتحف العسكري ثم اختفى منه في عام 1975.

فخ المدرجات والامن

ولان رجال الامن والمخبرين منذ ذلك الوقت يتفنون بطرق الايذاء والاساءة للناس فقد استغلوا حب الناس للزعيم خاصة اولئك الذي يحنون لمكان التمثال، اذ يقول الجاف: بعد رفع النصب بقيت المدرجات التي في اسفله الى هذا اليوم، وقد استخدمت تلك المدرجات من قبل نظامي عارف والبعث في (اصطياد) محبي الزعيم ممن كانوا يحنّون اليه فيزورون موقعه، أما الأطفال فكانوا يعتلون منصة النصب واقفين في موقع التمثال مؤدين التحية وصارخين بصوت عال (أيها الشعب) مقلدين زعيمهم الذي كانوا يسمعون بأسف عن قصة استشهاده. مستدركا: لكنهم ما أن يروا حارس الحديقة حتى يلوذوا بالفرار هاربين خوفا من الأمساك بهم وبذويهم. 

ويبقى الكثير من حديث أهل شهربان عن زعيمهم الذي أحبوه عسكريا بعيدا عن السلطة وأحبوه زعيما لهم بعد الثورة وحزنوا لاستشهاده ومتمنين عودة النصب الى مكانه لعله يمحو آثار ما نكبوا به بعد استشهاده ولكي يقولوا بان الزعيم كان منا ولنا فليعد الينا مرة أخرى.

العصاري وسلام الزعيم

د. عبد الحسين البطاح قال لن تنسى شهربان يوم ازاحة الستار عن تمثال الزعيم في صباح يوم ١٤ تموز من العام ١٩٥٩ والمنصوب على منصة متدرجه في احدى مستطيلات الحدائق التي انشأها الزعيم على طوال الشارع الرئيسي في المدينة. مضيفا: في ذلك اليوم حظرت كراديس من مختلف مدارس القضاء و فرق الكشافة وجماهير المدينة للاحتفال والقيت الخطب والكلمات والاغاني الوطنية حتى بات التمثال من اهم اوجه المدنية غالبا ما كانت العوائل الشهربانية تقضي العصاري للتنزه بتلك الحدائق الغناء تحت ظل السلام الذي تلوح به يد الزعيم.

كف الزعيم 

تمثل الحدائق التي انشأها الزعيم على اشكال هندسية مثلثة ودائرية ومربعة ومستطيلة سمة من سمات المدينة التي تورثها ابنائها. وماتزال شجرة الاثل التي غرسها بيده قرب مستشفى المقدادية الجمهوري قائمة حيث يتظللون بفيئها.

لم يخلف الانقلاب الاسود الا الدمار والقهر، وبسبب حقدهم على الثورة والزعيم فقد تم رفع النصب بطريقة اكثر وحشية وخسة من قتل الزعيم، وحسب رؤية شاهد العيان الاستاذ المشرف التربوي محمد ايوب: بالنسبة للراحل عبد الكريم قاسم اتذكر جيدا حين رفع تمثاله من حديقة الزعيم كنت صبيا وكان بيتنا من ضمن بناء السينما للمرحوم علي يزلي ابو لطيف صاحب اول معرض باتا في المقدادية واتذكر جيدا كيف ربط الحبل بين ذراع الزعيم اليمنى ورقبته وسحب بسيارة بيكب تعود للبلدية وحين وقع التمثال تكسرت بعض مدرجات النصب. مبينا انه رمي خلف مبنى البلدية مجاور السجن والذي ضم العشرات من من اهالي شهربان بعد انقلاب شباط من بينهم والدي المرحوم ايوب ابو صلاح مشغل اول دار عرض للسينما وصاحب اول محل لتصليح الراديو (ابو اللمبات)، ﻻتهامهم بالانتماء للحزب الشيوعي العراقي، وعن الحدائق تحدث ايوب: بالنسبة لحديقة الزعيم كانت مزروعة باشجار العفص كمثري الشكل بجوار سياج الحديقة الحديدي والذي يحتوي على نقشة النجمة في لحام مفاصله، وكما اتذكر نادي الضباط وصالته ومداخله الجميلة لكون المرحوم والدي اخذني معه لنصب اول عارضة افلام في النادي وبعدها نصب اول تلفزيون في القاعة وكان اسود وابيض يومها حضر الزعيم..

 

 

 

فاصلة:
ان اعادة تمثال الزعيم الى نفس مكانه مطلب شعبي لاهل شهربان، لانه جزء من تاريخ المدينة الذي تفخر به مثلما هو جزء من الثورة والزعيم والفن التشكيلي العراقي خاصة الذي واكب ثورة تموز المجيدة.