قد لا نتمكن من فهم التعقيد الفني في اتفاق من ١٠٠ صفحة بين ايران والغرب، الا ان "صب الاسمنت في مفاعل مدينة اراك ليتوقف تشغيله"، يصلح ان يكون واحدا من رموز الفهم، حيث ورد في ترجمة رويترز للنسخة الروسية من الاتفاق النووي، وهي فقرة قد يخفيها الرئيس روحاني لبعض الوقت بتضامن الاعلام المحلي، كي يهدئ من روع خصومه الداخليين. ومع ذلك فان ايران تربح بصيغة متعقلة من الربح بدلا من الصيغة النووية، فيما يتصل بعلاقاتها مع الدنيا.
ولم يكن باراك اوباما متخاذلا مع ايران، لكنه كان يمثل اللحظة الاميركية التي تعتقد بان من المفيد تجربة شيء جديد مع الشرق الاوسط. وفي عهده تعرض الايرانيون لاسوأ واشد العقوبات، التي كانت مخففة في زمن جورج دبليو بوش، ثم تحولت الى منع لتصدير النفط، جعل طهران تعلم انها باتت تواجه اقسى لحظة. وهكذا انهار التومان الايراني وبدأ رجال الاعمال بالانتحار فوق سطوح بناياتهم الشاهقة التي شيدوها بقروض بالدولار، لكنهم تسلموا ثمنها بالتومان، ثم تبخر كل شيء. اما النفط الايراني فصار يستبدل بعمليات مقايضة مع الرز الباكستاني في موانئ مهجورة على سواحل سومطرة. حتى معمل سايبا للسيارات كاد ان يفلس، لولا ان صبية بغداد "شعروا بالضجر" من العربات المحطمة في الشورجة، فاستبدلوها بعربة صفراء رخيصة، وانقذوا المصنع الايراني بشهامة قل نظيرها، ولابد ان تسجل في تاريخ الاتفاق النووي!
ولقد تفاقمت مرحلة الالم الاقتصادي بسرعة، وصار الشعب الايراني كما نلاحظ على فيسبوك وتويتر، يردد كلمة واحدة: لماذا لا نتعلم مما جرى في العراق، ولماذا لا ناخذ العبرة من عناد صدام حسين مع مفتشي الاسلحة، وكيف ادى الى تدمير بلد كبير! حتى ان سي ان ان نقلت عن فنانة ايرانية معروفة اثناء مغادرتها الى دبي، قولها: لا اريد مصيرا عراقيا لاطفالي!
هذا باختصار ما فعله اوباما، وهو يختصر الرسالة التي فهمها الايرانيون واستجابوا لها، ومنذ لحظة فوز الاصلاحيين بالرئاسة قبل عامين، كان واضحا ان بلاد فارس رضخت للمجتمع الدولي، لكنها تتفاوض على ضمانات، لانها تشكك بنوايا الغرب! حقا من سيضمن ان الغرب سيحترم طهران اذا توقف النشاط النووي؟ هذا كان سؤال الايرانيين الجوهري. ولا شك انهم تلقوا اجابة وافية ومضمونة. وقد كان ثمنا مضمونا الى درجة ان ايران وافقت على ان "يصب الأسمنت في الجزء الأساسي من مفاعل آراك ليتوقف تشغيله". وهذا ما بدا خطا احمر حتى قبل سنة، والطريقة تسحرني، فبدلا من تحطيم المفاعل، يجري تجميده بالاسمنت المنساب بهدوء، داخل اخاديد تقنية معقدة.
وقد لا نتمكن من فهم التعقيد الفني النووي في اتفاق من ١٠٠ صفحة بين ايران والغرب، الا ان صب الاسمنت في مفاعل اراك ليتوقف تشغيله، يصلح ان يكون واحدا من رموز الفهم.
سيتم تعطيل ثلثي النشاط النووي. بينما سيتم الاعتراف بثلثي النشاط السياسي الاقليمي وكل النشاط التجاري مع العالم. هذه هي الصفقة.
اما براعة الايرانيين فتتجلى في كيفية تبريرهم وتقليلهم من شأن حكاية تجميد التخصيب وصب الاسمنت في المفاعلات. فهم يقولون ببساطة: ايران لا تحتاج في طموحاتها سوى الى ما يعادل خبزتين في اليوم. لكنها كانت تخبز ستة ارغفة. الان اخذوا منا اربعة، فبقيت لدينا خبزتان كافيتان! انه دهاء في التبرير يذكرك بالشعر الفارسي القديم والاحاجي الصينية الخبيثة. ويمكن لهذه الحيلة ان تخفف استغراب الجمهور الايراني والجمهور المحب لايران. لكن الجميع يعلمون ان الملف العراقي ودروسه وحرائقه وويلاته، كان مدخلا لكل هذا.
ان كل الدنيا ستتعلم من العراق الذي اصبح "عبرة لمن اعتبر" الا العراقيين، الذين يدور معظمهم في حلقة مفرغة منذ ثورة العشرين
اسمنت امريكي في مفاعل ايراني
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
الشمري فاروق
والله لقد قلت الصدق كله العراقي لايعرف ماذا يريد لو وجدت اربعة عراقيون يناقشو ن ويتحدثون في اي موضوع سوف لم ولن تجد بينهم قاسما مشتركا يجمع بينهم كل يغرد في جانب
د عادل على
انشاء الله وبعون الله ستستطيع أمريكا نزع أسلحة إسرائيل النوويه----------وان لم تقدر أمريكا نزع إسرائيل من ترسانتها النوويه فهدا يعنى ان الميزان زوجى---------إسرائيل تستطيع في اى وقت تدمير العراق وايران وسوريا ولبنان ممكن في ثوانى--والمسلمون لا يستطيعون ا