عامر القيسيازمتان مرّتا بالبلاد في فترتين متقاربتين كانتا كما لو انهما اختبار حقيقي لقياسات بارومتر الروح الوطنية للكثير من (منتسبي) الطبقة السياسية العراقية. وللأسف امتدت ذيول هذا الاختبار ايضا للطبقة الشعبية، التي أكدت في اكثر من موقعة وطنية تقدم وعيها ورؤيتها وحلولها على الطبقة السياسية الحاكمة
منها والمعارضة في اكثر من أزمة بل وفي اخطرها وهي الانجرار الى الاحتراب الطائفي. في تفجيرات الاحد والاربعاء الاسودان ومن ثم الثلاثاء الاكثر سوادا ، وحالما انطلقت الاتهامات باتجاه سوريا انقسمت طبقتنا السياسية الى فريقين ، الادعاء العام ومحامي الدفاع وضاعت بين الفريقين الحاكم منهم والمعارض الحقيقة التي كان يتوجب عليهم الالتفاف حولها وهي امن المواطن وامانة ومستقبل البلاد والعباد.وبين خطابات الطرفين تشوش الموقف الشعبي ايضا وتحولت الكارثة الى مزايدات (وطنية) نزلت من قمة البرلمان الى الشارع العراقي فاصبحنا فريقا لاهم له غير تبرئة سوريا وفريقا لاهم له الا اتهامها وضاعت في هذا الصخب السياسي اصوات الحقيقة المخنوقة التي كانت تنفخ في قربة مثقوبة! وفي قضية الاحتلال الإيران ي لبئر الفكة اعيد السيناريو ولكن على الجهة الشرقية وانصب الصراع الخطابي على عدد الامتار التي احتلتها ايرا ن أو التي انسحبت منها وانجر الشارع العراقي للمرّة الثانية لـ (حكمة) الطبقة السياسية وراح يتساءل عن عدد الامتار التي تبعد بها القوات الإيران ية عن البئر النفطية. والاكثر اثارة في هذا السيناريو ان احزابا وكتلا وتيارات وائتلافات وحكومة انشطرت في همّها لحساب عدد الامتار التي لنا أو لهم وراح كل يغني على ليلاه واصبح المطلوب الاجابة على السؤال التالي : كم عدد الامتار التي احتلتها إيران؟ وتخبطت التصريحات الرسميّة التي اربكت الشارع العراقي بما في ذلك فيلق المحللين السياسيين الذين تناطحوا للقضية في الفضائيات وصفحات الجرائد من نفس ارضية انطلاق الطبقة السياسية بشقيها في رؤيتها وتحليلها للحالة وطرح الحلول الحقيقية الوطنية. وبديلا عن الموقف الوطني الموحد دخلت المزايدات الانتخابية في قضية وطنية خطيرة لاينبغي اللعب بها على هذا المستوى من اللامسؤولية الوطنية. وضاعت مرّة اخرى للاسف الحقيقة التي لم يلتف حولها الا القليل وهي ان القضية وطنية من الطراز الرفيع ويتوجب توحيد خطابنا السياسي بشأنها لكي يعرف الاصدقاء، على اقل تقدير، كيف يقفون معنا والى اي حد يذهبون ومع من يتفاهمون وما نوع المساعدة التي يقدمون؟. ولم ينجر الشارع العراقي فقط لهذه التشابكات والالتباسات وانما تلقفتها وسائل الاعلام العراقية بمختلف تنوعاتها لترعى هذا الاتجاه أو ذاك ! لتلقي الكثير من الاسئلة على مفاهيم الحيادية والموضوعية وعرض الحقائق التي ينبغي ان يتمتع بها الاعلام العراقي الجديد بل انها ابتعدت حتى عن دورها الوطني في توجيه مثل هذا النمط من الازمات والمشكلات الى الاتجاه الصحيح الذي يخدم القضية الوطنية في ادق مفاصلها الحالية وسرابية الرؤيا لتوجهاتها المستقبلية، وتوارت للاسف الشديد تحت ابط الاطراف السياسية التي تعاملت مع الازمتين بروح الولاءات المشوشة؟ سياسيونا لم يتعلموا حتى الآن ان يفرقوا بين ما هو رئيسي وما هو ثانوي في صراعاتهم السياسية المختلفة الألوان والاتجاهات . الامريكان اختلفوا فيما بينهم على حرب اسقاط نظام صدام وشهد الكونغرس الامريكي صراعات مضنية بين الجمهوريين والديمقراطيين بين مؤيد ومعارض ولكن حالما اندلعت الحرب اصطف الجميع من دون استثناء خلف جيشهم الذي يقاتل عبر المحيطات وعندما اعلن بوش انتهاء العمليات الحربية عادوا مرّة ثانية لصراعاتهم السياسية التي اقصت بوش وأتت باوباما ، اللبنانيون باختلافاتهم المتجذرة وقفوا وراء حكومتهم وجيشهم في ازمة مخيم نهر البارد في طرابلس ثم عادوا للتعارضات والاختلافات بعد ان زال الخطر. درسان يجب ان نحفظهما عن ظهر قلب كما يقال رغم السؤال المرير: اذا كانت حكومتنا متعددة المواقف والرؤوس والتصريحات ، وهي المسؤولة عن الوطن والمواطن ، فكيف يكون الحال مع السياسي العراقي الذي يصرح بما يشاء وهو في طريقه لقضاء اجازته مع عائلته في بلاد الله الواسعة؟ وما شهدناه في الازمتين وذيولهما شهدناه ايضا في اكثر من قضية وموقف ووصل الحد بالحس الشعبي العراقي إلى تصنيف هذا السياسي أوذاك، هذه الجهة أو تلك بصفات اللامواطنة التي لانريدها لاحد من (منتسبي) طبقتنا السياسية، سواء كان من اعضاء مجلس نوابنا الموقر أو وزراء حكومتنا الموقرة ايضا. الذي نريده من السياسيين هو اعطاء المثال الحقيقي للوطنية الحقيقية ليقف الشعب وراءهم فتزداد قوتهم وهيبتهم امام الاصدقاء قبل الاعداء!
فــــارزة: الموقف الوطني بين سوريا وإيران
نشر في: 2 يناير, 2010: 11:07 م