TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > الحديث الأخير لنوري السعيد

الحديث الأخير لنوري السعيد

نشر في: 3 يناير, 2010: 03:15 م

د.سامي عبد الحافظ القيسيقبل خمسة ايام من قيام ثورة 14 تموز 1958 وبالتحديد في 9 تموز كتب نوري السعيد مقالا الى مجلة (لايف العالمية life international) التي تصدر في الولايات المتحدة . وفي يوم 18 آب 1958 نشرت المجلة المذكورة حديث نوري السعيد المشار اليه بعنوان "الوصية الاخيرة لرئيس وزراء العراق: نوري السعيد يتنبأ بانفجار كارثة جديدة".
وكان رئيس تحرير المجلة المذكورة قد اشار في بداية ذلك المقال الى ان مقتل نوري السعيد يرجع في بعض اسبابه الى افكاره ومعتقداته وعليه فان اراءه وافكاره كانت بمثابة "وصية لزعيم اعتقد ووثق بالغرب رغم ان سياسة الغرب في منطقة الشرق الاوسط قد اثارته وافزعته".ها نحن بعد مرور عقود على قيام ثورة 14 تموز نجد انفسنا امام حدث اكتسب الخصوصية التاريخية واصبح موضوعه مؤهلا للبحث والدراسة والتحليل وبالرغم من ظهور الكتابات والدراسات بعضها اكاديمي عن الثورة واسبابها والنتائج التي تمخضت عنها تبقى الحاجة قائمة للكتابة عن اقطاب العهد الملكي لتسليط الضوء على ادوارهم والملابسات التي صاحبت سيرهم السياسية.لم يترك ساسة العهد الملكي باستثناء فئة قليلة منهم مذكرات مطبوعة ومنشورة وبالرغم من ان نوري السعيد كان يقف في طليعة هؤلاء السياسيين وانه كان في بؤرة الاحداث السياسية في المنطقة العربية وفي العراق حوالي نصف قرن (منذ ان كان طالبا في الكلية العسكرية في اسطنبول عام 1908 وحتى وفاته عام 1958 ) الا انه لم يترك هو الاخر اية مذكرات مطبوعة او مخطوطة كما عرف عن نوري السعيد قلة الادبيات التي تركها . عدا بيانات وخطب متفرقة في جلسات المجلس النيابي وكتيبات لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة لذا فان التطرق الى حديث نوري السعيد الاخير مع دراسته وتحليله يعتبر اسهامه متواضعة في دراسة افكار هذه الشخصية التي لعبت دورا مهما في تاريخ العراق المعاصر.اضافة الى ما تقدم سيجد القارئ ان نوري السعيد قد تطرق في معظم حديثه المشار اليه الى الجوانب المتعلقة بالسياسية الخارجية فقط دون الاشارة الى الوضع الداخلي العام في العراق . اذ من الثابت تاريخيا انه يتحمل والاخرون مسؤولية ما حل بالعراق من تدن في الاوضاع الاقتصادية جراء احتكار الشركات النفطية وتحكمها بموارد العراق والاختناقات التي حصلت في مشاريع مجلس الاعمار فضلا على انعدام الحريات الديمقراطية ومطاردة المعارضين وحصر الممارسة السياسية بيد مجموعة من الشخصيات والوجوه المالوفة ويكفي للتدليل على ذلك ان نوري السعيد وحده ترأس الوزارة العراقية اربع عشرة مرة منذ استيزاره للمرة الاولى عام 1930 كما اصبح وزيرا للخارجية ست مرات فضلا على تحكمه بمجمل السياسة العراقية من موقع المسؤولية الوزارية او خارجها .لقد عرف عن نوري السعيد انه كان رجل بريطانيا الاول والاقوى في الشرق الاوسط ولم يكن يعرف المرونة في معاملة رجال السياسة ولا سيما رجال المعارضة والاحزاب السياسية واستهان "بقوة المعارضة وغضب الشعب وموقف ضباط الجيش كما استهان برجال السياسة العرب في الامصار كافة وكان في كل ذلك يستند الى السياسة البريطانية في العراق والشرق الاوسط وتنفيذها باخلاص".سيتركز البحث في حديث نوري السعيد الاخير بصفة اساسية على الاراء التي وردت فيه ثم تحليلها ومناقشة بعضها اعتمادا على سياق الاحداث التاريخية التي مرت بالعراق وبالمنطقة العربية والتي لعبت دورا اساسيا في تاريخ المنطقة ومصيرها ولكننا نجد ان من المفيد ان نذكر نبذة مختصرة عن حياة نوري السعيد وعن ابرز آرائه السياسية التي آمن بها وعمل على تنفيذها .ولد نوري السعيد في بغداد سنة 1888 وكان والده سعيد طه موظفا في دائرة الاوقاف في العهد العثماني قد سكنت اسرته محلة الطوب شمال بغداد درس نوري الاعدادية العسكرية في بغداد وتخرج فيها عام 1902 اكمل بعدها دراسته في الكلية الحربية في اسطنبول وتخرج برتبة ملازم ثان في ايلول 1908 وعين ضابطا في الجيش العثماني . تزوج نوري من نعيمة العسكري شقيقة جعفر العسكري عام 1910 وهو العام الذي تزوج فيه جعفر من اخت نوري وفي عام 1911 التحق بكلية الاركان في اسطنبول اذ تلقى محاضرات في التاريخ وفي السوق العسكري على يد العسكريين الالمان.وخلال الفترة التي تسلطت فيها جمعية الاتحاد والترقي على مقاليد الامور وانتهاجها للسياسة العنصرية المعروفة حيث تسببت تلك السياسة في قيام بعض الجمعيات السرية والعلنية وساهم نوري السعيد في بعضها وكانت جمعية العهد التي اسسها عزيز علي المصري عام 1913 من اشهر تلك الجمعيات التي انتمى اليها واقسم على الاخلاص لمبادئهاوعندما اندلعت الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة الشريف الحسين بن علي كانت لنوري السعيد مساهمة بارزة فيها . وكان اشتراكه في الثورة بداية رفقة مستمرة للاسرة الهاشمية دامت طوال حياته فقد دخل الخدمة العسكرية في الحجاز وتفقد المناصب العسكرية الرفيعة ثم اصبح من اقرب المقربين الى الملك فيصل اثناء الحكم العربي في سوريا (1918-1920)وبعد قيام الحكم الملكي في العراق وترشيح فيصل ملكا على العراق كان نوري السعيد من اشد المؤازين لفيصل ومن اشد المؤيدين للنظام الجديد وقد تبوأ مراكز متعددة قبل ان يتولى رئاسة الوزارة عام 1930. وقد وضحت قدرات نوري السعيد في الميدان السياسي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram