ليس المهم ان تقبل او ترفض "مساعدات" ايران وتركيا واميركا بالطبع، فهؤلاء "سيساعدونك" شئت ام ابيت. لكن المهم هو: كيف ستتعامل معها وستصوغها بما يضمن اخف التبعات، في الحرب ضد داعش؟
لقد بدأت تركيا تقصف داعش وهذا امر طيب. ثم انتهزت الفرصة لقصف حزب العمال الكردي، وهو حزب يقصف داعش ويحاربها، ويقوم ايضا "بمساعدة" العراقيين والسوريين في الوقوف بوجه المتطرفين!
ويعتقد بعض العراقيين بان لدينا الحق في ان نقبل او نرفض "المساعدات" المقدمة لنا في الحرب ضد داعش. ولذلك يقبلون "المساعدات" الايرانية. ويرفضون "المساعدات" التركية. كما ان بعض العراقيين يقبلون "مساعدات" داعش! ويرفضون "مساعدات" قوات الصحوة والعشائر والحشد و"مساعدات" حزب العمال الكردستاني الذي تقصفه تركيا اثناء "مساعدتها" لنا.
وقد حصل هذا طبعا لان "الجميع يريدون مساعدتنا"! ان الجميع يتهافتون على "مد يد العون". والامر يشبه "هدية الملوك" التي سيعتبر رفضها اهانة لجلالتهم.
وفي الحقيقة فان طبيعة صراعنا الداخلي و"حجم العقول الصغيرة" التي تحكمت باخطر النزاعات، جعل معظم الاطراف تنظر الينا بسخرية ولا تقيم وزنا حتى لتضحياتنا. فطالما كان اداؤك في العلاقات العامة، وقدرتك على التحليل ووصف التوازنات، اشياء بمستوى عمل المبتدئين، فان الجميع لن يحترموك ولن يقيموا وزنا حتى لشجاعتك. وسيصرون على "مساعدتك" بطريقتهم، شئت ام ابيت!
وقد لاحظنا كيف ان خليفة داعش نفسه، يعتبر نفسه طرفا جاء لمساعدة اهل السنة في العراق، من ظلم يعترف الجميع تقريبا، بانه وقع عليهم. لكن داعش تريد مساعدة اهل السنة بطريقتها هي، وهي طريقة ادت الى هروب معظم اهل السنة من داعش بالطبع!
وسرعان من سيجادل بالقول، ان المساعدات التي نعتبرها مشروعة هي تلك التي تاتي حصراً من طرف يعترف بشرعيتنا كنظام سياسي، لكي يعاملنا باحترام و"يساعدنا باحترام". لكننا نعلم ان اطرافا عراقية من كل الجهات، هي التي لا تحترم شرعيتنا كنظام ودولة. فما معنى ان نطلب من الاخرين احترام هذه الشرعية التي تعرضت لهزات وانهيارات من داخل الشرعية نفسها، وامتلأت بالوعود الكاذبة او المتلكئة، والغموض المتعمد في كل شيء مهم تقريبا؟
وليست المشكلة الان في ان نقبل او نرفض هذه المساعدة الاجبارية. ذلك ان اصرار جميع الاطراف على "مساعدتنا" اخذ ينقلب الى حرب معلنة بين هذه الاطراف. فتركيا غير مرتاحة لطريقة ايران في "مساعدتنا". ايران نفسها غير مرتاحة لطريقة امريكا. وبالطبع فان روسيا منزعجة من مكتسبات حلف الناتو على ارضنا.
وهذه حكاية لن تنتهي. لكن الحكاية الوحيدة التي يمكنها ان تستعيد جزءا من هيبتنا، هي قدرة الكتل النيابية على احياء الحوار الداخلي، الذي ادخلناه غرفة الانعاش منذ عمليات تكريت في الربيع، ولم يخرج منها بعد! ولماذا يجب على الاطراف الاقليمية والدولية ان يحترموا نحو اربعين مليون عراقي يملكون ثروة هائلة، لكنهم يرتكبون حماقات سياسية وادارية تثير السخرية، ولا يستطيعون مساعدة انفسهم؟
ان الفرصة ستظل قائمة لاطلاق حوار سياسي شامل. وحينئذ سنجد طريقة لتفاهم نسبي مع الاستانة وبلاد فارس والافرنجة، لاننا سنستحق تقدير الاخرين. ونحن نمتلك مقومات لتحقيق الحد الادنى من متطلبات الحلول التمهيدية.
لكن هيهات، فقد قررنا تاجيل ذلك. او ان بعض من يساعدوننا طلبوا ذلك بسبب "تعارض انواع المساعدة". وهذا يعني ان تاجيل الحوار مع انعدام القوة المناسبة، هو تاجيل لقدر الاحترام للشرعية والسيادة
انه انقسام متعمد سيجعل جيراننا "يساعدوننا" بأشد الطرق غرابة وإيلاما وكلفة. وسيكون صراخنا ورفضنا مجرد تأوهات تخرج من غرفة تعذيب سادي. اي صرخات لا قيمة لها سوى اضفاء اثارة اكبر على مشاهد الخيبة في الشرق الاوسط.
"مساعدات" تركيا وايران
[post-views]
نشر في: 25 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
سرمد
اساذ سرمد ما قلته هو حقيقة واقع .لكن للاسف ان تعلم الحقيقه المره والتي باتت واضحه للجميع ان القرار السياسي في بغداد هو مرتهن في طهران وهذه معضله !؟يبقى مدى التقاء مصلحة طهران وواشنطن في ضرورة بدأ سياسه عراقيه مستقله وخاصة بعد الاتفاق النووي لكن اشك في ذا