اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > مصطلح الميزانسين ثانية

مصطلح الميزانسين ثانية

نشر في: 4 أغسطس, 2015: 12:01 ص

 في حرص معرفي، وحجاج مسرحي، يخوض الاستاذ سامي عبد الحميد معركته النقدية ضد مقالتي النقدية عن عرض مسرحية (سفينة آدم) باستخدامي مصطلحات (تجاوزت) فيها معناها  المعروف في الوسط المسرحي! كما يقول، ويأتي بشاهد على ذلك يخص "التكوينات الحركية" لأني

 في حرص معرفي، وحجاج مسرحي، يخوض الاستاذ سامي عبد الحميد معركته النقدية ضد مقالتي النقدية عن عرض مسرحية (سفينة آدم) باستخدامي مصطلحات (تجاوزت) فيها معناها  المعروف في الوسط المسرحي! كما يقول، ويأتي بشاهد على ذلك يخص "التكوينات الحركية" لأني تجرأت واسميتها (بالميزانسين)! وربما يتذكر الاستاذ سامي، اطروحة الدكتوراه التي اشرفت عليها قبل عقود من الزمن، تخص د. صاحب نعمة تحت عنوان: "التشكيل الحركي" وهي ترجمة لكلمة (ميزانسين) بالتمام والكمال.

لنتابع ردّه – حيث تتحول المؤثرات السمعية الى مؤشرات وشتان ما بين البعد الصوتي للعرض، واداء شذى سالم ويعجب من اقتران "الصوتيات" المحرفة، المضخمة بالصدى! واقول لأن "الصدى" نفسه بات مقترناً بمؤثرات "متصادية" ايضا، تارة تكون مرافقة، واخرى تكون "تابعة" ولا ادري، كيف ابتعدت عن "النقد الفني"، واقتربت فيه من "الانشاء"! ذلك لأن استاذي يقرر بثقة متماسكة، بأني اقصد "الالقاء"! الخاص بالممثلة، ويعجب من جمع متصادية مع ذكري "للصدى" قبلها.
ويأخذ علينا ان الصدى تابع وليس "مرافقا" اقول لاستاذي هذا التحليل المنطقي الصوري، هو ما تمرد عليه العرض، ووضع مؤثرات صوتية، محرفة، مضخمة كما سمعناها معاً، انا والاستاذ سامي في العرض نفسه!
ليس "هناك اصوات سابقة" واخرى "لاحقة" حسب، بل هناك مؤثرات سمعية متوازية ومصطنعة ومركبة، وهجينة، ومنحرفة عن السياق التقليدي للعروض. اي، بات الصدى (مرافقا) وليس (تابعا).
وما قصدت ان (شذى) كانت تحرّف في ادائها الصوتي، او تبالغ، كيف يكون ذلك وانا هنا في موضع المدح، لا في موضع الذم! الخاص بالمؤثرات السمعية للعرض.
يقول (لم افهم ماذا كان يقصد بما سماه، تناغم التداول التمثيلي بينهما المنظور الفني)!
وعجبت لاستاذي من هذا "الاجتزاء" القصدي! وانا قلت بالحرف الواحد: حفّز تناغم التداول التمثيلي بينهما (اي خالد وشذى) من (المنظور) الفني، وقاد الى ولادة فضاء جمالي مبهر. فاين هذا من ذاك! وكتبنا كثيراً عن مفهوم "التداولية" في المسرح، التي يقف على رأسها، تفعيل الممثل لدوره مع الجمهور واما عن المبالغة في "المديح" ، فاترك ذلك لجمهور القاعة، الذي سمع من الاستاذ كلمات مديح تفوق مديحي المزعوم، بما لا يقارن! في الحركة والصوت. ثم يسألني اسئلة، يروم اجابتي عنها وانا جاهز لها:
- لماذا استخدم المؤلف (سفينة آدم) بدلاً من (سفينة نوح)؟
الجواب: لأنه وجد ان المخلص البشري المزعوم، كان زائفا.
- لماذا يكون آدم مرة رجل دين واخرى دجالاً وثالثة اجنبياً؟
الجواب: لانه يريد البحث عن قيمة اعتبارية له ويؤجج الصراعات الكولونيالية والحروب المدمرة، ويمكن ان نستخدم هنا كلمة اصطلاحية اخرى، هي: (ثيموس) الاغريقية، التي تعني انتزاع الاعتراف من الآخر، ولو ادى الأمر الى قهره، وتدميره، في الجانب السلبي من الكلمة. اما معناها الايجابي فيعني: الاعتراف بانسانيتي من قبل ذلك الذي يتنكر لها.
- ما معنى الدائرة البيضاء التي واجهتنا والذي سميته (سينوغرافيا)؟
الجواب: دائرة، كناية عن السفينة، ومقودها، وثغرتها الدامية
- فسّر معنى تلك (البايبات) التي وزعها المخرج في فضاء العرض؟
الجواب: ان الانابيب والمواسير المتناثرة على السقوف والجدران، هي كناية عن "الطوفان" الحديث، في العوملة، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، بعيداً عن الاسطورة "القديمة، او تعليل جديد وتأويل آخر، للمقدس.
والان، لنعد الى جوهر المشكلة، الخاص (بالميزانسين) يقول لي الاستاذ: التكوينات جزء من الميزانسين – وجده الدارسون والمختصون، بانه مصطلح يعني "الاخراج" ثم يحيلني الى مصدر مسرحي مهم اسمه (Directors on Directing) من اعداد توبي كول وهيلين كريش شينوي.
اسأل الاستاذ سامي:
السؤال: اين كلمة (ميزانسين) من العنوان الذي ذكرت؟ هنا (Directing) وليس ميزانسين.
- انت كما تفصّل بان "المخرج" يسمى في الولايات المتحدة بهذا الاسم، وفي انجلترا "يسمى" "المنتج" وفي "المانيا" و"روسيا" يسمى "الريجيسور" وفي "فرنسا" تشير الكلمة "ريجسيور" الى "مدير المسرح" – اذن اين لفظة ميزانسين؟!
ويضيف الاستاذ سامي – ان المخرج يسمى (سيد المشهد( حسب الادبيات الفرنسية: (Metteur en scene). يؤسفني ان أخبر الاتساذ سامي، بان هذا، المسمى بـ (سيد المشهد) لا يعني (ترتيب المخرج لكل ما يتعلق بالمسرحية والمناظر والاضاءة او الازياء)، بل: (وضع الشيء داخل المنظر للايحاء بضعف موهبة المخرج، حيث لا يفعل سوى تحديد اماكن الممثلين، وحركتهم داخل المشهد) في خطة جامدة وجاهزة!
هذا المفهوم الفرنسي "للميزانسين" هو الذي ثار عليه ستانسلافسكي، واعتبره مفهوما قديما، حان تغييره حتى ان بات "الميزانسين" لدى الفرنسيين تتبادل فيه مواقع الاخراج و"الانتاج" ككل.
ثم نرى استاذنا يصدر حكماً قطعياً صارما، مفاده: (وما جاء من تفسيرات المصطلح في مصادر روسية" واخرى "بلغارية" فهي ليست دقيقة)!!
اذن دقة المصطلح عبر الاطلسي اصوب من سواها لكن لدي ستانسلافسيك رأي أخر ان المسزانسين يبنى من خلال تعاون (المخرج) مع (الممثل) وطريقة العمل على (الدور) هو القانون المرتقب (للميزانسين)، ولذلك انتقد تجهيز الميزانسين قبل البدء بالعمل مع الممثلين، لان الطريقة القديمة تخص ذلك المخرج المستبد، وترى الطريقة الجديدة اهمية اشتراك المخرج والممثل معا في بناء الميزانسين سواء في طريقة استخدام الكراسي، كما يذكر كرستي انظر كتابي المترجم (تربية الممثل في مدرسة ستانسلافسكي) – ويضيف – الموبيليا وكذلك المكان، والحواجز الخشبية.. وسواها، وذلك لتعميق العلاقات المتبادلة بين المشاركين في مقاربة ثنائية التأليف الدرامي، والتصور الفني للعرض، من خلال عمل الممثل على الدور في بعده التشكيلي الخارجي المرتبط بمحركات المشهد الداخلية.
كان ستانسلافسكي في اخراجه للعرض، يبحث عن "ميزانسين" عضوي، متماسك، ويختار ذلك الاكثر جدارة في التعبير عن روح الحدث المسرحي، من منظور تشكيلي – حركي ويترك الميزانسينات الضعيفة فهو لا يؤمن بأحادية قاطعة مجهزة مسبقاً، للميزانسين بل يوظف ارتجال الممثل، والسير مع منط الحدث لا من منطق "الخطة الاخراجية" الخارجية للميزانسين.
مفعلا فيه، الحالة (المزاج)، الارادة، التخيل، الانتباه.. وهنا نصل الى جملة سنانسلافسكي الدالة: (ينطلق خط الميزانسين من تحت قدمي الممثل" (انظر صفحة (460) من كتاب كرستي المذكور).
كان يريد ستانسلافسكي، من ذلك ، الوصول الى عملية تفاهم بين الممثل والجمهور، بان يفهم الدور، حتى ان لم يسمع الحوار، وكان بينهما يقوم حاجز زجاجي سميك، المهم في صياغة (الميزانسين ان نرى فيه "حياة الجسد" الخاص بالممثل والتعبير التشكيلي للعرض، لانه حدث "فيزيقي" يضيف رؤية جديدة "لنص المؤلف".
ومثال على هذا، في اخراج ستانسلافسكي (اوبرا) مسرحية (افجيني او نجين)، لم تكن ممثلة دور (تاتيانا) مقنعة للمخرج، فاتفق مع مصمم الديكور، ان يضع سلما مغلقا، للمثلة، التي كانت مسترخية وهادئة، في مشهد يقوم على تناقض موضوعي، بين ما يقال في الحوار، وبين ما يفترض ان تكابده الممثلة من مشاعر محتدمة مضطربة، وتم للمخرج ما ارد، اذ ظهرت (تاتيانا) ملكة الحفل باطار ديكور خاص، يناسب موقفها، ويتسامى به، وليشعر المتفرج بالجو العام للحفل من غير ان يراه، بل يكتفي بتربع (تاتيانا) فوق السلالم، لتكلم (اونجين) القابع في الاسفل، وبذلك كشف الميزانسين المبتكر هذا، والمنعزل عن صالة الحفل عن جوهر (الافعال) المسرحية، وصفاتها، وكذلك توكيدها من خلال (علاقات) الشخصيات (المتبادلة) المرئية.
سبق ان وظف (مايرخولد) السلالم، والدواليب المتحركة باتجاه معاكس لمنظومة ستانسلافسيك في مفهوم الميزانسين.
كان الانشاء التشكيلي لدى مايرخولد، انشاء عضويا، ووظيفيا، بلا زخرفة، وقد تعامل مع الممثل الذي يعرض مهاراته، وكانها سلسلة من التمرينات الرياضية اكثر منها، سلسلة من العواطف، التي تميزت بها تجارياً ستانسلافسكي لذلك حين اخرج مايرخولد مسرحية (الغابة) قسم الفصل الاول، ليس الى مشاهد (منفردة)، بل قام بخلاف ذلك حين حصد (عديد) من الحكايات في داخل المشهد (الواحد).
وجعل الممثل ينطلق من طرف مقاطعة، الى طرفها الآخر، من خلال المونتاج، او التجزيء، من دون ان يغادرا المسرح على الاطلاق او هذه معالجة جديدة للميزانسين.
وفعل (اخلوبكوف) في اخراجه لمسرحية (الوثبة)، (ميزانسينات) اخرى، حيث وزع مشاهد قصيرة في ارجاء بناية المسرح، واثناء تبدل المشاهد كان المتفرج ينظر الى الاعلى والى الخلف، والى جانبيه، ليتابع العرض المتشظي هذا.
اذن يقوم الميزانسين على التمثيل بوصفه نسقا إشاريا يختلف عن (لغوية) النص الدرامي، وان كانا حاضرين في العرض الواحد، ويتحول البعد الأقرب الى التجريد السمعي، والمؤثرات الصوتية، الى بعد يخص القاء الممثل، وافعاله المادية الملموسة، والمظهر الفيزيقي للدور، بوصفه خامة بشرية شاخصة ماديا.
واجيب استاذي الكريم، حين يخاطبني، بان الميزانسين (ياسيدي ليس التكوينات الحركية، وانما هذه التكوينات الحركية هي جزء من الميزانسين) واقول له بان (الميزانسين) جزء من (الاخراج). واضيف (يا استاذي، بان الميزانسين يخص عمل الممثل مع نفسه، ومع الدور، في بعد تشكيلي، امامي، او محوري، عمودي او افقي، على وفق خطة جديدة مبتكرة، ليست جاهزة قبليا من المخرج، بل هي إرهاص لمشهد جديد، مبتكر يحركه الممثل ، بارتجالاته، وتشكيلاته، حتى ان نسق العلاقة بين وجه الممثل، وحركات يديه، وموضع رأسه، وتكوين جسده، وعلاقته مع الآخر هي ميزانسين، شخصيته المرئية، والمفصحة بدلالاتها المعبّرة فنيا وجماليا) وبعديد من هذه الميزانسيات يتم بناء العرض المسرحي، آراد مني الاستاذ سامي الاجابة عن معنى نزوع المخرج الى تحريك ممثلية على خشبة المسرح من غير مبررات (منطقية)؟، ربما يكون الجواب في رغبته الخاصة يتحقق (اللامعقول) وتغريب "مظاهر" واقع العراقيين اليوم، وهم يجتهدون للخروج الى أفق الحضارة الانسانية المفتوح ، وتفادي الطوفان حفاظا على ابناء آدم، ونوح هو أحدهم كما تذكر قصص الأمم الغابرة، لتكون تذكرة، وعبرة للحاضرين.
* كرستي – تربية الممثل – تر: عقيل مهدي - دار الكتاب الجديد المتحدة – بيروت : 2002.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram