نبهني الصديق علي حسين الى ان "المدى" ستكمل نهار اليوم الاربعاء، ١٢ عاما من الانتاج الصحفي. فسارعت الى مراجعة ما كتبته العام الماضي، حيث صادفت الذكرى، ذروة الاجتياح الداعشي ومآسي سنجار وسهل نينوى، والمفارقة انني كتبت يومها بتفاؤل، وتحدثت عن ان المدى تمثل "اوراق الاصلاح العراقي"، بينما اليوم لا تدور في رأسي سوى افكار غير متحمسة، عن مستحيلات السياسة في العراق.
لماذا كنت متمسكا بشيء كبير من التفاؤل حتى في لحظة تقدم داعش الثاني، بينما اقرأ اليوم ما كتبته قبل سنة، وكأنني اقرأ "تكهنات لا تصدق"؟ هل يعني هذا ان ٢٠١٥ هي اسوأ من ٢٠١٤، بينما يبدو الامر افضل من الناحية العسكرية حول بغداد واربيل، وفي تكريت، رغم خسارة الرمادي ومخاوفنا من نتائج العمليات هناك؟
ويمكن ان نزعم ان العام الماضي كان افضل من الناحية السياسية، فقد بدا ان التيار المؤمن بالاصلاح متمسك بضرورة ان يجرب الاصلاح بعد ازاحة المالكي، لان هزيمة داعش لا تكون بالبنادق فقط، بل بمراجعة الاخطاء.
لاحقا خفتت الهمم. التدخل الخارجي تزايد، و"حلفاؤنا" طلبوا منا تأجيل اشياء كثيرة، بما فيها مشاريع الاصلاح والمراجعة، اذ ان هناك اشياء كثيرة يجب ان يجري ترتيبها اولا، من ميناء الحديدة في اليمن، حتى معبر سوروج بين سوريا وتركيا! من لا يصدق هذا؟
وها هي الذكرى الثانية عشرة لصدور جريدة المدى، تعيد طرح اسئلة الاصلاح، لا على الساسة او الجمهور الحائر مع احزابه وتياراته، بل علينا نحن الذين نمارس الكتابة والتعليق على الشأن العام، صحفيين ومثقفين وخبراء او اكاديميين. ماذا يعني ان تكون صحيفتنا "وثيقة للاصلاح"؟ خلال ١٢ عاما مضت هي عمر "العراق الجديد" وعمر "جريدة المدى"، بلحظاته الحلوة ومراراته، وبمنجزاته او خسائره التي لا تغتفر، هل استطعنا ان نحدد بما يكفي، ماذا يعني الاصلاح، ولماذا يتلكأ، ام اننا في الواقع منقسمون اشد الانقسام حول خطط الاصلاح نفسها؟ ان هذا خلاف يجعل الوضع الخطأ مستمرا، اذ لا اتفاق على الخطوة التصحيحية، ولا احد يضحي بـ"رموز الحماقة" الذين يحمون الاخطاء ويفاقمونها، بل ان كبار المخطئين تجري مكافأتهم احيانا، مقابل استبعاد مستمر لمن يمتلكون رؤية متعقلة ومتوازنة
وخلال ١٢ عاما من العمل الجاد والمخاطرات الحقيقية بالنسبة لنا نحن الذين بقينا نبشر بالتحول المدني وممكنات التغيير، الى اي حد كانت انحيازاتنا وميولنا ودعوتنا للتهدئة احيانا، سببا في زيادة كتماننا لحقائق او وقائع او افكار، يفترض انها جزء اساسي من معركة التغيير؟
وماذا لو اردنا قياس مستوى حرية التعبير بين ٢٠٠٣ واليوم، او بين ٢٠١٤ اخر سنين المالكي، والعام الحالي في ظل حكومة العبادي المتصالحة مع الصحفيين والمدنيين؟ انني شخصيا ممن يعتقدون ان حرية التعبير كانت افضل في العام الماضي، لا بسبب المالكي والعبادي، بل لاسباب اخرى مفروضة اقليميا ودوليا!
لكن كل هذه المؤشرات السلبية، تجعلني متأكدا من شيء واحد، هو ان ما يحدث يمثل سببا اضافيا لدفاعنا عن "اوراق الاصلاح" حتى لو بقيت كفكرة او "حلم غير متفق عليه"! واذ تكمل جريدتنا اليوم ١٢ عاما من المخاطرات والتجارب، فانها لا تملك سوى ان تحاول استكمال دفاعها عن مبدأ الحرية، لان امتناع الاصلاح، هو نتيجة مباشرة لنقص الحرية، في العقول والارواح والقرارات الكبرى.
امتناع الاصلاح.. امتناع الحرية
[post-views]
نشر في: 4 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
رمزي الحيدر
أعتقد أن أسلوبك وأفكارك هي ملائمة لترجمة أحلامك في قصص رومانسية ،أعتقد أفضل لك من الكتابة عن الوضع السياسي .