التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بتحسين الخدمات الاساسية في مقدمتها توفير الطاقة الكهربائية اسفرت حتى الآن عن تبني اجراءات حكومية خجولة لتلبية المطالب الشعبية ، وعلى الرغم من اعلان قادة سياسيين ومسؤولين تضامنهم مع المتظاهرين ، الا ان الشارع ادرك بان دعاة التضامن هم السبب وراء خراب البلاد منذ الغزو الاميركي للعراق ، بوصفهم تصدوا للعملية السياسية ، وشاركوا في الحكومات المتعاقبة.
التظاهرات جسدت الاستياء الشعبي من طبقة سياسية ، اثبتت التجربة منذ اكثر من عشر سنوات فشل تلك الطبقة في ادارة البلاد ، خاضت صراعا لتوسيع نفوذها بدوافع طائفية ومذهبية ، في ظل تراجع الاوضاع الامنية وفقدان السيطرة على مناطق واسعة مازالت خاضعة لتنظيم داعش ، التظاهرات الاحتجاجية بشهادة من شارك فيها كانت عفوية لم تكن تهدف الى اعلان براءة السخان من دم الفهداوي فقط بل امتدت الى المطالبة بمحاسبة المفسدين بكل عناوينهم ومناصبهم ، سراق المال العام ، وتعطيل تشريع القوانين الخاصة بتنظيم الحياة السياسية في العراق وتعزيز نظامه الديمقراطي بتمرير قانون الاحزاب ، وتشريعات اخرى لا تقل اهمية عنه ، تجاهلتها الطبقة السياسية لتحقيق مصالحها على حساب ترسيخ مظاهر خراب الدولة .
التظاهرات قطعت الطريق امام كتل نيابية تدعي انها صاحبة الحل والربط في المشهد السياسي العراقي لمصادرة الحراك الشعبي ، واية محاولة بهذا الاتجاه ستكون مفضوحة حين اعلن ناشطون تشكيل لجنة تنسيقية ، تضم شخصيات مستقلة تتولى مهمة تنظيم التظاهرات السلمية ، في بغداد ومحافظات اخرى ، انقاذ العراق من واقعه الحالي لا يقتصر على توجيه الاتهامات لوزير الكهرباء الحالي قاسم الفهداوي بل يتطلب المزيد من الضغط على المقيمين في ابراجهم العاجية من مسؤولين وسياسيين ليتداركوا تصحيح اخطائهم ، قبل ان يزيحهم تيار الغضب الشعبي .
العراقيون على اطلاع كامل بان تقاسم الحقائب الوزارية تم بموجب اتفاق الكتل النيابية على اعتماد المثلث الشيعي السني الكردي في الحصول على المناصب ، وطبقا لهذا الابتكار فان استقالة الوزير او اقالته ، سيدفع كتلته النيابية لطرح مرشح جديد لتولي المنصب ، وليس من المستبعد ان يدفع البديل ثمن شراء منصبه الى رئيس كتلته النيابية حين يتولى وزارة "ام الخبزة".
بيع الوزارات كما اعلن اعضاء كتل نيابية خرجت من المولد بلا حمص ابتكار اعتمده اهل الحل والربط للحصول على المزيد من الاموال وايداعها في بنوك خارجية ، عمليات البيع مرت من دون حساب ، لان الجهات الرقابية تبحث عن دليل واثبات ، وكان بإمكانها العثور على الدليل باستضافة صاحب مقولة" الوزارة ام الخبزة " ليفسر لهيئة النزاهة المستقلة ، واللجنة النيابية المعنية بذات الامر مضمون مقولته التاريخية .
الاستياء الشعبي من سوء الاداء السياسي والحكومي عبر عن رفض جيل جديد من الشباب ممارسات السنوات الماضية ، والبراءة من طبقة سياسية لم تستطع القضاء على افعى سيد دخيل. التظاهرات اطلقت صوت جيل جديد من الشباب العراقيين تجرد من الاصطفاف القومي والمذهبي فامتلك ارادة تغيير المعادلة السياسية قادرة على "كنس شعيط وشقيقه معيط "من المشهد.