ثمة شبح يجول في أنحاء العراق، بخاصة الوسطى والجنوبية، ترتعد له فرائص البعض من النواب والسياسيين الآخرين والمسؤولين المحليين، ويدفعهم إلى تحسّس أعناقهم وشراء كميات أكبر من المناديل الورقية لمسح العرق المتصبب من أجسادهم، حتى وهم في مكاتبهم ومنازلهم المُبرّدة بدرجة 16 مئوية على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع.
الشبح الجائل هذا يُصيب هؤلاء النواب والسياسيين والمسؤولين المحليين، في ما يصيبهم، بنوبة هذر يستعيرون فيها الكلمات البذيئة نفسها التي أُستُعمِلت قبل أربع سنوات في حق المتظاهرين المناهضين للفساد الإداري والمالي والمطالبين بالإصلاح السياسي، بوصفهم بعثيين ودواعش هذه المرة (في المرة السابقة كانوا قاعديين!). أصحاب النوبة هذه يقولون إن المظاهرات التي اندلعت شرارتها في بغداد يوم الجمعة الماضي وامتدّ نطاقها إلى محافظات المنطقتين الوسطى والجنوبية جميعها إنما هي "مؤامرة علمانية لإسقاط الإسلاميين وتجربتهم الإصلاحية"!! أصحاب النوبة هؤلاء يريدون تلطيخ سمعة المتظاهرين، على غرار ما سعى إليه رئيس الحكومة السابق، والهدف هو وقف هذه الحركة الشعبية الجامحة التي تهدّد بإسقاط عروش الفاسدين والمفسدين في هذه الدولة.
الحمد لله أن رئيس الحكومة حيدر العبادي إسلامي وليس علمانياً، وأن مقتدى الصدر هو الآخر إسلامي وليس علمانياً وأن قيس الخزعلي هو الثالث إسلامي وليس علمانياً وان خطيبي جمعة كربلاء ممثلي مرجعية النجف هما كذلك إسلاميان وليسا علمانيين.. هؤلاء جميعاً رفعوا أصواتهم عالياً في الأيام الأخيرة ليس فقط تفهماً لأسباب التظاهر ودوافع المتظاهرين وأهداف المظاهرات، وإنما أيضاً تشجيعاً على التظاهر وحضّاً على تلبية مطالب المتظاهرين.
إذا كانت ثمة مؤامرة لإسقاط الإسلاميين الممسكين بالسلطة في البلاد، فهي نابعة في الواقع من داخلهم هم، ومن تدبيرهم وصنع أيديهم.. المخططون لها ومنفذوها إسلاميون، فمفاصل الدولة الرئيسة في أيدي الإسلاميين، شيعة وسنة، والفساد الذي زعزع كيان الدولة مارسه ورعاه الإسلاميون في المقام الأول بحكم نفوذهم وسطوتهم في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وتردي الخدمات العامة يتحمّل المسؤولية الأساس عنه الإسلاميون الذي يتقلّدون أكثر المناصب وأرفعها في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ويشكّلون الأغلبية الساحقة في البرلمان الاتحادي ومجالس المحافظات.
هو ذا النائب عن التحالف الوطني (الإسلامي الشيعي) عبود العيساوي، مثلاً، يقرّ ويعترف في بيان له بأن "ملفات الفساد متورطة بها شخصيات نافذة بمفاصل مهمة في الدولة" (السومرية نيوز).. ولا أكثر نفوذاً في مفاصل الدولة المهمة من ممثلي قوى الإسلام السياسي التي توزّعت في ما بينها مناصب الدولة على وفق نظام المحاصصة الذي توافقت عليه وتمسّكت به بعناد وضراوة منذ أكثر من عشر سنوات.
الهاذرون بنظرية المؤامرة، وهم من النافذين في الدولة والعملية السياسية، إنما يحاولون الهرب إلى الأمام باتهامهم العلمانيين، ويواصلون المؤامرة على أنفسهم لأنهم لا يريدون الاعتراف بأخطائهم وخطاياهم التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، خشيةً من تداعي عروشهم وانقطاع مصادر فسادهم، ولا يريدون الإقرار بأنه إذا ما كانت هناك مؤامرة لركوب موجة المظاهرات والسعي لإسقاط الحكومة (رئيسها بالتحديد) فإنما مدبّروها إسلاميون مثلهم، من داخل التحالف الوطني بالذات، وليسوا علمانيين.
نعم.. هناك مؤامرة!
[post-views]
نشر في: 5 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
وليد اﻻبراهيمي
نعم نريدها علمانية بعد ان عاثوا اﻻالمعممين في العراق فسادا وسرقة ومحاصصة .وارهاب وقتل وشتى انواع الحرمان والتبذير ﻻموال العراقيين ونهبثروة الفقراء وتمزيق الصف العراقي والخضوع .ﻻرادة ايران بالكامل مما تسبب ضياع لهويتنا العراقية التي فقدت .وﻻنعرف من نحن ..!