TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مأثرة مصرية.. خيبة عراقية

مأثرة مصرية.. خيبة عراقية

نشر في: 7 أغسطس, 2015: 09:01 م

في سنة واحدة فقط أنجز المصريون ما تُعدّ معجزة هندسية، هي الثانية لهم في غضون أقل من نصف قرن. المعجزة الأولى هي السد العالي في أسوان الذي بناه المصريون في ستينيات القرن الماضي بمساعدة السوفييت. أما المعجزة الجديدة فهي قناة السويس الثانية التي افتتحت للتو. من دون مساعدة أحد هذه المرة، حقّق المصريون معجزتهم الأخيرة، فبثمانية مليارات دولار جمعوها من مدخراتهم (سندات خزينة)، وفي غضون 12 شهراً فقط، حوّلوا حلمهم الكبير إلى حقيقة، فحقّ لهم الفخر بأنفسهم واستحقوا الإعجاب من سائر شعوب العالم.
لم يتذرّع أحد في مصر بأعمال العنف والإرهاب المتصاعدة وبحال عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها البلاد في السنوات الأربع الماضية، ولا بشحّ الموارد في بلد لم تزل موازنة دولته تعتمد على المساعدات الخارجية، لصرف النظر عن تنفيذ هذا المشروع الكبير، أو التلكؤ في العمل فيه والتباطؤ في إنجازه.
"إيّاكِ أعني، فاسمعي يا جارة".. هذا ما أريد قوله تعليقاً على المأثرة المصرية الجديدة. وليست هذه الجارة بالطبع سوى الطبقة السياسية المتنفّذة هنا في العراق منذ العام 2003 حتى الآن، فهذه الطبقة، وهي "إسلامية" بأغلبيتها، لم تستطع أن تُنجز لنا شيئاً ذا قيمة طوال 12 سنة ضخّ عليها النفط وحده أثناءها أكثر من 500 مليار دولار.
بثمانية مليارات دولار فقط شقّ المصريون قناة سويس ثانية بطول 35 كيلومتراً وبعرض317 متراً وبعمق 24 متراً. ولم يقتصر الانجاز المصري على مجرى القناة الجديدة، ذلك أنه اشتمل أيضاً على توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى بطول حوالي 27 كيلومتراً وتفريعة البلاح بطول نحو عشرة كيلومترات، ليصل إجمالي طول مشروع القناة الجديدة إلى 72 كيلومتراً.
مع الخمسمئة مليار دولار، أو أكثر، التي تدفّقت عليها، لم تُفلح الطبقة السياسية التي تحكمنا وتتحكم بمقادير بلدنا وبمصائرنا، في بناء سدّ مثلاً، ولم تستطع حتى فتح جدول أو إنشاء طريق.. بل لم تقدر حتى على رفع الازبال من الشوارع والساحات والأحياء ليس فقط في العاصمة بغداد، وإنما أيضاً في أصغر المدن التي هي مراكز الأقضية والنواحي!
ما السرّ في هذا؟.. لابدّ أن هنالك سرّاً يكمن خلف نجاح الطبقة السياسية في مصر في غضون 12 شهراً بتحقيق معجزة قناة السويس الثانية بثمانية مليارات دولار مجموعة من مدخرات الناس، ووراء فشل طبقتنا السياسية، في المقابل، بفتح جدول أو طريق أو تنظيف بلدة صغيرة.
نعم ثمة سرّ.. إنها الوطنية.. الطبقة السياسية المصرية وطنية، فيما طبقتنا السياسية تتراوح وطنيتها بين النقصان الشديد والانعدام تماماً، فهي غارقة إلى هاماتها في مستنقع الفساد الإداري والمالي الذي لم يبقِ من أكثر من 500 مليار دولار نفطي ولو ربع مليار دولار لشقّ جدول أو إنشاء طريق أو تنظيف مدينة!
الحركة الاحتجاجية الجارية في البلاد الآن لن يتحقق لها ما تريد مع طبقة سياسية كهذه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram