في صراع الدولة المدنية مع احزاب الاسلام السياسي، خلص الناس في العراق إلى الحقيقة الكبرى، تلك التي تقول بعدم صلاح التيارات الدينية كلها لقيادة البلاد، هذا إذا كان بينهم من لا يعتقد إلى الآن، بانهم كانوا السبب الأول والاخير والرئيس في الخراب وحروب الطوائف وتدفق انهار الدم وضياع المليارات وما وصلنا إليه.
ويخطئ من يعتقد بأن المرجعية توصلت إلى قناعتها الأخيرة هذه بنفسها، أو أنها وضعت الحصان أمام العربة -التي أصبحت جاهزة الآن- ذلك لأن الحقيقة تقول إنما، هي(المرجعية)كانت مستجيبة ذكية، ومن خلال قراءة فاحصة لنداء الشارع المدني، الذي نزل ساحة التحرير وأماكن اخرى في الوطن. كذلك يخطئ من يعتقد بأن أزمة الكهرباء واستشهاد بعض المتظاهرين في البصرة كانت وراء نزول الجماهير إلى الشارع ومطالبتها بتحسين الاوضاع. الحقيقة تقول بان البلاد تشهد انعطافة تاريخية، تعلن عن انقضاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة.
بحثت في تظاهرة البصرة التي تجاوز عديد المشتركين فيها الآلاف، والتي شاركت فيها أمس، عن رجل دين بعمامة سوداء او بيضاء فلم أر واحدة، وبحثت عن صورة لرجل دين واحد فلم أر احداً، وفتشت في عشرات اليافطات المرفوعة عن شعار ديني يدعو الناس الى حماية الدين والمذهب والطائفة ويحثهم على الصلاة والصلاح أو ترغيبهم في الصبر ويوعدهم بالجنة وحور العين فلم أجد شيئاً من ذلك، ثم أني سرحت بعيني، عائد بها إلى العام 2005حيث أجريت أول انتخابات برلمانية بعد سقوط نظام صدام حسين فرحت أقرأ: من أجل نصرة الدين والمذهب انتخبوا قائمة (...) ومثلها قرأت :من أجل رفاهية المظلومين وتحقيق الحياة الكريمة لهم انتخبوا قائمة (....) وكذلك من أجل ضحايا المقابر الجماعية انتخبوا قائمة(...) . وكمن ضرب على رأسه انتبهت واقفا أردد مع الجماهير الغاضبة: دولة دولة مدنية .. فلتسقط الطائفية.
يحدثني احد المشاركين في تظاهرة أمس قائلاً: إذا كانت الجماهير قد هتفت بشعارها الذي أصبح ايقونة التظاهرات، والذي يقول ( باسم الدين باكونا الحرامية) اخشى ان يأتي اليوم الذي يتعرض فيه الدين إلى من يسيء اليه مباشرة. وهنا رحت أستعيد صورة رجل الدين وتتابعها ثم انحدارها في الشارع. كانت الساحة التي تحيط بمسجد السيد حامد السويج، في محلة العباسية بالبصرة تمتلئ بالمصلين في الايام والجمعات التي تلت سقوط النظام السابق، وكان المصلون يتسابقون على أخذ أماكنهم في باحة المسجد ومن ثم في الشارع الذي أمامه حتى الازقة التي تحيط به. اليوم تقلص العدد ذاك إلى النصف، وربما الى الثلث. ربما أقول بأني لا اعرف السبب لكنني لا اعتقد بان الأداء السيء للسياسيين لم يكن سببا في ذلك.
في تبرير غبي وسيء، يقول أحد المنتمين للتيارات الاسلامية وهو عضو في مجلس المحافظة بان الله لم يرزقنا ما يكفي من المطر لذا أصبح ماء شط العرب مالحاً، ومثل ذلك يقول الكثيرون. هم يلقون باللائمة على ذات الله، جلَّ ثناؤه في اخفاقهم وفي فشلهم في انقاذ العراق مما أصابه. لكن ذلك لا يمنعنا من أن نرفع قبعاتنا تحية للمرجعية التي قالت قولتها في الوقت المناسب، مستجيبة لنداء الشارع الذي هتف بأعلى صوته لا لحكم الاسلام السياسي. نعم للدولة المدنية، حيث لن يجد أحدٌ مظلة دينية تحميّه إن أخفق في أداء عمله. التحية للجماهير التي وقفت في ساحة التحرير ببغداد وفي الساحات والشوارع في مدن وسط وجنوبي العراق، التحية للذين دقوا المسمار الاول في نعش الاسلام السياسي.
الجماهيرُ دقَّت مسمارها الأول في نعش الاسلام السياسي
[post-views]
نشر في: 8 أغسطس, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
ياسيدي لاتنسى لولا ضغط الجماهير لم تتحرك المرجعية اين كانت كل تلك السنين من الفساد وسرقة المليارات وسيلان الدم ولم تحرك ساكنا ولكن انها ادركت ان الجماهير تطالبها مباشرتا اي المرجعية لوضع حدا لهذه الفوضى كونها هي صانعة القرار السياسي في العراق وليس السيا