أشكُّ في أن أحداً من القوى المتنفّذة في السلطة قد طرح على نفسه أو على حلفائه وشركائه هذا السؤال: "ما العمل؟" مباشرة إثر اندلاع مظاهرات الأسبوع الماضي في بغداد وتواصلها في عدد من المحافظات الأخرى، فالواضح أن زعماء هذه القوى تعاملوا مع أمر المظاهرات بوصفه "فقاعة"!
لكن الآن بعد الذي جرى يوم الجمعة الأخيرة فليس في وسع أحد من هذه القوى إلا أن يسأل ويتساءل: ما العمل؟، فما جرى أول من أمس هو زلزال حقيقي يُنذر بسلسلة من الزلازل التي يُمكن لها أن تقلب الطاولات على جميع المتنفذين، كما كتبتُ في عمود الثلاثاء الماضي.
التصفيق للمظاهرات والتصريح بتأييد مطالب المتظاهرين، ليس هو العمل المناسب، فالأحداث تجاوزته كثيراً، والمتظاهرون، كما أفصحوا في شعاراتهم وبياناتهم وأحاديثهم إلى وسائل الإعلام، قد سئموا الخطابات الرنّانة والوعود التي لم يتحقق منها شيء بعد اثنتي عشرة سنة من الانتظار المرير. كما أن إعلان بعض القوى الممثلة في الحكومة بوضع وزرائها تحت تصرف رئيس الوزراء، هو الآخر عمل غير مثمر، فهذه حركة دعائية أكثر منها خطوة جدّية لمعالجة المشكلة الكبرى التي يواجهها الجميع، ذلك أن رئيس الوزراء ليس في مقدوره بموجب النظام القائم أن يفعل ما يريد وما يريده الشعب منه بخلاف ما تقرره القوى المتنفذة مجتمعة.
في ظنّي، العمل الجدّي في هذه اللحظة يتمثل في أن تتداعى قيادات القوى المتنفذة في السلطة إلى اجتماع عاجل تقرّر فيه الإقدام على الخطوة الوحيدة المطلوبة التي أجمع عليها المتظاهرون في مختلف المحافظات أول من أمس. والمتظاهرون تجاوزوا هذه المرة قضية الكهرباء وقضية الفساد المالي والإداري إلى القضية الأم، قضية النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والحزبية، منبع الفساد المالي والإداري والسياسي ومصدر الإفساد.
الخطوة – العلاج المنتظرة هي أن تقرر قيادات القوى المتنفذة انهاء نظام المحاصصة الذي وضعوه موضع التنفيذ بديلاً عن الدستور، معلنين يومها أنه إجراء مؤقت لدورة برلمانية وحكومية واحدة، ثم راحوا يؤكدون أخيراً أنه أصبح أمراً واقعاً في الحياة السياسية، لتبرير التمسك به وللاحتفاظ بالمغانم التي حقّقوها به لأنفسهم!
وضع حدّ لنظام المحاصصة يعني أول ما يعني إنجاز تعديلات الدستور المُستحقة منذ تسع سنوات، وتشريع القوانين المؤجّلة الخاصة ببناء الدولة ( قانون الأحزاب، قانون النقابات والاتحادات، قانون النفط والغاز، قانون حرية التعبير، قانون المحكمة الدستورية، قانون مجلس الاتحاد.. الخ). ومما يتطلبه إنهاء نظام المحاصصة كذلك تشريع قانون جديد للانتخابات وتشكيل مجلس الخدمة الاتحادي، وإعادة تشكيل الهيئات المستقلة وبخاصة مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة بما يحقّق ويكرّس استقلاليتها. ومما تُلزمه عملية الغاء نظام المحاصة إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بما يضمن أن تكون السلطة القضائية هي السلطة الثالثة حقاً وفعلاً وليست خروفاً في أيدي الحكومة ومجلس النواب وقيادات القوى السياسية المتنفذة.
هذه العملية برمّتها تتطلب أول ما تتطلب تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة رئيس الوزراء الحالي، يؤلفها بنفسه ويتحمل هو المسؤولية عن عملها اللاحق، وتكون مهمة هذه الحكومة تصريف الأعمال لمدة سنة وفتح ملفات الفساد والإعداد لانتخابات برلمانية مبكرة بعد سنة من الآن.
أي كلام أو عمل لا يقود إلى نتيجة كهذه لن يكون سوى مضيعة للوقت ومحاولة للضحك على الذقون.
ما العمل الآن؟
[post-views]
نشر في: 8 أغسطس, 2015: 06:01 م
جميع التعليقات 1
سامي
قبل لقائكم كأعلاميين ومثقفين وكتاب بالمالكي وبعد اللقاء..كنت اواضب على متابعة كتاباتك..لم تجامل المالكي ولاغيره..وفي كل المقالات كنت صريحا واضحا لاتتلون او تتزلف او تجامل احدا..في وقت اختلط فيه الحابل بالنابل..وفوق هذا فأنك تشخص وتعطي الدواء المناسب..اود