سارع الطفل الى باب بيته الخشبي ليفتحه عندما سمع طرقات الباب وهو يطلق ضحكة طفولية لأنه تمكن من فتح باب البيت ، ولكن سرعان ما تغيرت ملامحه ووضع اصابعه في فمه من الخوف وهو ينظر الى تلك السيدة العجوز التي تقف امامه. لم يتحرك الطفل من مكانه. لم يعرف
سارع الطفل الى باب بيته الخشبي ليفتحه عندما سمع طرقات الباب وهو يطلق ضحكة طفولية لأنه تمكن من فتح باب البيت ، ولكن سرعان ما تغيرت ملامحه ووضع اصابعه في فمه من الخوف وهو ينظر الى تلك السيدة العجوز التي تقف امامه. لم يتحرك الطفل من مكانه. لم يعرف كيف يتصرف. تسمرت نظراته بعيني تلك العجوز التي حملت (علاكه) بلاستيكية في يدها دون ان تنطق بكلمة واحدة. تلعثم الطفل واخرج اصابعه من فمه وهو يسألها بصوت مرتعش: اتريدين امي؟!
لم ترد عليه السيدة العجوز ولكن نظراتها اليه ازدادت حدة لدرجة افزعت الطفل وجعلته يتراجع عدة خطوات الى الوراء وهو يستعد لينادي امه ، ولكن السيدة العجوز لم تمهله فقد ألقت عليه الحقيبة التي كانت في يدها واستدارت مبتعدة عنه!
سقط الطفل على الارض بفعل المفاجأة ومن وزن (العلاكة) التي فوجئ بها بين ذراعيه الصغيرين ، فأطلق صرخة فزع ، وانفجر في البكاء مما دفع باقي افراد اسرته للتجمع حوله. لم تفهم امه اياً من كلماته التي امتزجت بالبكاء ، ولكنها لاحظت العلاكة التي يحملها طفلها فسألته عمن اعطاه اياه فأشار باصابعه الى الباب المواجهة لباب بيتهم الكائن في ذلك الزقاق الضيق في منطقة الفضل.. وكان بيت السيدة العجوز الخرفة! شعرت الام بالقلق عندما فهمت من ابنها ان المرأة العجوز التي تسكن وحدها في البيت المقابل لبيتهم هي التي اعطته الحقيبة خاصة وأن هذه المرأة مصابة باضطرابات وامراض نفسية وليس لها ابناء ليرعوها.. ومما زاد من حالتها النفسية سوءا أن جميع الجيران كانوا يخشون التعامل معها بالرغم من انها لم تؤذ احدا من قبل .
خوف الأم جعلها لا تجرؤ على فتح تلك (العلاكة) التي القتها السيدة العجوز بين ذراعي ابنها خوفا من وجود اشياء مضرة بداخلها، بل طلبت منه ان يبتعد عنها وسارعت بالاتصال بزوجها طالبة منه الاتصال بالنجدة خوفا من ان يكون بـ(العلاكة) ما يؤذي اسرتها. عاد الاب الى بيته باسرع ما يمكن.. واستدعى دورية النجدة القريبة من ساحة المعدان معه. وبدأت الشرطة بفحص (العلاكة) السوداء التي تركتها المرأة العجوز. فتحوا (العلاكة) بحذر شديد وكل واحد منهم يتخيل ما يمكن ان تكون فيها من مواد متفجرة او عبوة في هذا الزمان الذي كثرت فيه المواد المتفجرة. وكانت المفاجأة للجميع أن العلاكة ممتلئة بالنقود : آلالاف الدولارات و ملايين الدنانير الى جانب العديد من العملات الاخرى ..
في ما بعد تبين أن هذه النقود هي تحويشة عمرها التي جمعتها من رواتب زوجها المتقاعد وما يرسله ابناؤها لها من الخارج .. جمعتها في هذه (العلاكة) منتظرة ان يأتي اليوم عندما تستمتع بها مع اسرتها وابنائها.. ولكنها ظلت لسنوات طويلة وحيدة تتمنى مجيء أحد منهم دون جدوى. ومرت السنوات طويلة ثقيلة وهي وحيدة تعيش في بيتها الخرب.. والجميع يبتعد عنها حتى اصيبت بمرض نفسي وكآبة مزمنة جعل الناس يبتعدون عنها اكثر واكثر.. حتى لم تعد تطيق الوحدة .. وكانت تنظر الى نقودها وهي لا تعرف ما الذي ستفعله بها، فقررت ان تعطيها لشخص يمكن ان يستفيد منها. خرجت من بيتها وتوجهت الى دار جارتها وطرقت الباب حيث فتح لها الطفل الصغير.. نظرت اليه.. كان يمثل لها الاسرة والمستقبل وكلمة (ماما) التي حرمت منها فوجدته أكثر من يستحق هذه النقود ...
إذاً ألقت النقود بين ذراعيه وتركته ، وهي لا تعرف حجم الذعر الذي تسببت به للطفل وللعائلة وللشرطة ايضا !