TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غيفارا مات.. غيفارا حي!

غيفارا مات.. غيفارا حي!

نشر في: 10 أغسطس, 2015: 09:01 م

سأكذب على القارئ لو قلت: إنني أستحضر أرنستو تشي غيفارا، رمزاً وموقفاً، اليوم، بلا مناسبة.
المناسبة هي ما أدركه هذا الثوري الأرجنتيني الشاب من سطوة الحزن التي تؤطر العالم، في زمنه البوليفي، حيث صار الحزن هوية وطقساً، بل دكتاتور العواطف جمعاء.
هل ثمة مناسبة، مناسِبة، أكثر من هذا الحزن الذي يصرخ في عيون أطفال العالم المنهوب، الجائع، المهجر، المختطف، ومنه عالمنا العربي؟
لا أدري لماذا حسبت تلك الطفلة الإيزيدية، وكانت فائقة الجمال رغم الدخان والغبار والرعب في وجهها، أنها ابنة غيفارا في لحظة يُتم ساحق.
أتوقع بعض التعليقات من بعض المعلقين، وبينهم أصدقاء لي، أو أعدقاء، ممن يأنفون من الآيديولوجيا والحزب الشيوعي وضفافهما: صديقنا الشاعر عاد شيوعياً.
ما الضير لو عدت شيوعياً؟
أو ليس أغلبية من يأنفون، أو يفزعون، من الآيديولوجيا والحزب الشيوعي ينادون بالحرية الفردية، المثقف الحر، المستقل، حق المرء في اعتناق ما يشاء من الأفكار؟
كنت واحداً من آلاف الشبان، عبر العالم، الذين اتخذوا من غيفارا أيقونة لعصر الفقراء والمهمشين والغرباء والعشاق. وفي العراق كنت واحدا من آلاف الشبان العراقيين الذين كانوا يروجون أشرطة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم ويستمعون إلى أغنيتهما: غيفارا مات.. غيفارا مات/ آخر خبر في الراديوهات/ وفي الكنايس والجوامع/ وفي الحواري والشوارع وع القهاوي وع البارات/ غيفارا مات.. غيفارا مات.
طرحت على نفسي وقتها سؤالاً فنياً وليس سياسياً:
ما دلالة أن يضع الشاعر المصري الشهير فضاء العزاء في الراديوهات والكنايس والجوامع والحواري والشوارع والقهاوي والبارات؟وأجبت شاباً: إنها أمكنة الناس الفقراء.
هذا افتراض أول.الافتراض الثاني: كنت شيوعياً غيفارياً، عندما التقطت لحظتي الشخصية التي سنحت إذ اعتمد الحزب الشيوعي العراقي أسلوب الكفاح المسلح في كردستان، فالتحقت بمعسكر تدريب الأنصار الشيوعيين، بيروت 1981، معتمراً بيرية تشبه بيرية غيفارا، لكن بيريتي تتدلى منها نجمة حمراء في قلبها منجل ومطرقة.أنا اليوم شيوعي متقاعد.
أعرف أن الناس يتقاعدون من الوظيفة والعمل والحزب، لكن من قال إنهم يتقاعدون عن الحلم؟
بعد سنوات مديدة من فلترة الفكرة النبيلة لم أعد سياسياً أو عضواً في تنظيم سياسي، لأن السياسة صارت، عندي، موقفا أخلاقيا يتبدى في ما أدعيه خلال الكتابة وما أزعمه في أسلوب حياتي، وإن جاء ذلك عبر لغة فنية أو شعرية: محاولة لإعادة صياغة العالم جمالياً.وهذا افتراض ثالث.
ترسب من وعيي في لاوعيي الكثير: ما زلت غيفارياً وفق أسلوبي الخاص.وسط سعادة التكنولوجيا وفرح العولمة بنفسها وظفر العالم الجديد في حروبه مع العالم العتيق، لم تزل هوية العالم ولغته، كما قال غيفارا، يوماً، هما الحزن.
ثمة جيل يتشكل في العراق يشبهني أو أشبهه: خليط من الحلم والوهم والجرأة والعنفوان (رغم تقاعدي) أو يشبه شبابي، ثائراً ومتمرداً، يفتقر إلى قدر كبير من المعرفة لأنه جيل عملي، لا معرفي، يطلب العدالة ويدين الفاسدين من ذوي الجلود الغليظة الذين لا يأبهون لألم الناس.. يرى صراع الطبقات في مصباح مطفأ أو مبردة لا تدور في صيف العراق اللهاب.
يوم الثلاثاء المصادف العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) 1967 وزعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في جميع أنحاء العالم صورة فوتوغرافية لغيفارا مسجى على كتلة من الإسمنت في إسطبل قرية نائية ، لكن رسالة الوكالة الأمريكية الكريهة لم تحقق هدفها في تحطيم الأسطورة بل عززت أسطوريتها، ولم يزل الكثير من الشبان، عبر العالم، يرتدون تيشيرتات تحمل صورة الأسطورة بفخر وتباهٍ.. يعني غيفارا حي.
في ذلك اليوم، من عام 1967، كنت أبحث عمن يصلني بـ"القيادة المركزية" الجناح المنشق عن الحزب الشيوعي، رغم صغر سني: 17 عاما.. وهذا افتراض أخير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سعيد فرحان

    الاستاذ عواد ناصر امريكا كانت ولا زالت هي من يضع المقاييس حسب ما تقتضيه مصالحها ومصالح الغرب او لنقل العالم الرأسمالي وطبقت مقاييسها على ثوار ذلك الزمان ومنهم جيفارا الذي لم يمت وكان حينها يقاتل الحكومات في احراش كوبا وغابات بوليفيا ولو لم يقتل لقاتل في

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram