من محيرات العقل ان يأتيك أحد ليتهمك بما ليس فيك من دون أي دليل. قالوا: ان المتظاهرين اساءوا للإسلام! لا بل ان أحدهم اعتبرها حقيقة وظل يفصل ويخيط على راحته، حتى طوّرها، على طريقة الشيخ الراد على دارون، الى ان ذلك يعد شتيمة للنبي والامام علي والزهراء وكذلك للمرجعية. كل هذا دون ان يرينا متظاهرا واحدا شتم أياً من تلك الرموز التي تحظى بالاحترام عند شعبنا.
شعارات التظاهرات وهتافاتها ليست سرية بل كانت على الهواء الطلق ومنشورة بالصوت والصورة على الانترنت. لم اسمع أحدا شتم الدين او مسه بسوء. اما اذا كان لدى هذا الشيخ او ذاك دليل ملموس فليظهره لنا وسيجدنا اشد منه قولا على المسيئين.
يبدو ان المسألة ليست في الشعارات التي أطلقت بل بتفسيرها من قبل البعض. ربما اعتبر هذا البعض ان شعار "بسم الدين باكونه الحرامية" إساءة للدين. طامة كبرى ان فسروه كذلك لاني اراه شعارا دينيا وليس مدنيا. فيه الم على استغلال الدين. ومن يتألم عليك لان أحدا استغلك يعني انه يحترمك ان لم أقُل يحبك.
ألم يُقتل الحسين باسم الدين بتهمة انه حاد عن دين جده؟ ألم يضحك الدواعش على هؤلاء الانتحاريين باسم الدين بوعد انهم سيقابلون رسول الله وسينعمون بالحور العين؟ ماذا تسمون هذا؟
ليفسر لي من اتهم المتظاهرين باطلا قول الامام الحسين "الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم". اليس معناه بالضبط انهم يستغلون الدين لتحقيق مكاسب مادية؟
اما اذا كان المقصود هو شعار ابعاد الدين عن "وسخ" السياسة من خلال الدعوة الى دولة مدنية او علمانية، فهذا من اجل احترام الدين وليس السياسة. لم يقلها العلمانيون بل الامام والمرجع الشيعي الطوسي "ان الحاكم الكافر العادل خير من الحاكم المسلم الظالم". أما يعني هذا ان عدل الحاكم انفع للناس من تدينه؟
اما الحقيقة ولدينا دليلها ان في المتظاهرين من أهان الناس الذين يمارسون حرياتهم الشخصية التي كفلها الدستور دون لبس او غموض. صاحوا بأحرار النفوس "شجابكم عالغيرة؟". شتيمة علنية بذيئة لشريحة واسعة من المواطنين ولشخصيات وأسماء نحترمها وتحترمها الذاكرة الشعبية وتشغل حيزا كبيرا في وعي العراق الثقافي والفني والادبي. كان على الذين توهموا ان المتظاهرين اساءوا لمشاعرهم الدينية ان يطالبوا جهّالهم، أولا، بعدم المس بمشاعر الذين يمارسون حقهم في الحياة بحرية دون ان يمسوا أحدا بسوء. ليفهموهم ان الرصافي والسياب والجواهري والنواب وعبد الحسين أبو شبع وحضيري أبو عزيز وداخل حسن وعشرات مثلهم لم يكونوا ناقصي غيرة. بل انهم رمز للغيرة العراقية وذلك عند قوم يفقهون.
في التظاهرات: مَنْ أساءَ لِمَنْ؟
[post-views]
نشر في: 10 أغسطس, 2015: 09:01 م