اذا كان البعض منا اعتاد على اغلاق هاتفه حين يخلد للنوم، لا سيما بعد يوم طويل من العمل الشاق، فانني اتوقع ان اغلبنا لا يكتفي، هذه الايام، بابقاء "الموبايل" شغالا، بل انه يحرص على عمل "الواي فاي" لكي لا تفوته قرارات العبادي الذي بات يفاجئنا كأي ساحر وهو يطلق الحمامات من قبعته الطويلة.
بالفعل، فقد كان العبادي جريئا وهو يقرر اقتحام حقل الالغام لوحده من دون غطاء سياسي او طائفي سوى التماهي مع حركة جماهيرية واعية تحالفت معها مرجعية "مدنية" تمتلك من الحرص على استقلال واستقرار هذه البلاد ما لا يملكه الكثيرون.
اذن فأهمية دور العبادي تكمن في الاصغاء لصوت الشعب الذي عبرت عنه تظاهرات الكهرباء في 2010، واحتجاجات شباط 2011، في وقت رفض سلفه، ومن ورائه مجمل الطبقة السياسية، مجرد الاستماع لها، واكتفى باطلاق الوعود تلو الوعود.
صحيح ان العبادي وتشكيلته الوزارية هي نتاج "اتفاق سياسي" اطلق عليها جزافا تسمية "الورقة الوطنية"، وهي لم تكن سوى ورقة تضم الاطار الذي سيحكم علاقة القوى السياسية حتى 2018، لكن يحسب لرئيس الوزراء تحريك الجمود الذي لف المشهد السياسي بسبب قصور آليات ذات الاتفاق الذي ترأس بموجبه الكابينة الجديدة.
يحسب لرئيس الحكومة ايضاً الاصطفاف الى جانب ارادة العراقيين، التي مثلها تحالف الشعب / المرجعية.
في جانب آخر من المشهد، يقف ساحر آخر يراقب الجميع قبعة مفاجأته التي حان أوانها اليوم. انه سليم الجبوري الذي تشخص الابصار لموقفه من حزمة الاصلاحات "العبادية" التي ينتظر مناقشتها في جلسة تاريخية اليوم.
يرى الكثيرون ان الجبوري والعبادي يشكلان ثنائيا متناغماً باستطاعاته اخراج النظام السياسي من لحظة الانسداد التي يعيشها، واطلاق عجلة التصحيح والاصلاح والخروج من دائرة المحاصصة التي مازال يتمسك بها بعض الاطراف بدعوى التمثيل السياسي والمكوناتي.
العراقيون ينشغلون، منذ عام، بمقارنة حقبة مضت لكنها اتسمت بتقاطع حاد وصل حد الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وحول رأسيهما الى رموز للتأزيم، وبين حقبة تتسم بالهدوء والتهدئة يمثلها العبادي / الجبوري، بوصفهما "الثنائي المرح" الذي نجح في نزع فتائل التوتر، والسعي لقلب صفحتها بهدوء ايضا!
لكن هذا الثنائي العابر للمحاصصة، رغم انه ابنها الشرعي، يمر باختبار عسير هذا اليوم وهو يختبر صلابته في مواجهة الحرس القديم للنظام السياسي ممن يعتزم عرقلة الاصلاح في مجلس النواب او خارجه، لابقاء الحال على ما هو عليه في لحظة اشتعال دائمة. اليوم تبلغ قلوب العراقيين الحناجر، وهم يترقبون ان يحمي البرلمان ارادتهم بالتغيير والاصلاح، وعدم الخضوع لاملاءات سياسية وضغوطات اقليمية تسعى لحرف مسار الاصلاح باتجاه اعادة المحاصصة من الشباك بعد ان تم اخراجها من باب حكومة العبادي. يراقب تحالف الشعب / المرجعية بوجل مصير الاصلاحات خشية ان تتحول بوصلتها الى تصفية الخصوم او لابرام صفقات على حساب التمثيل المكوناتي، او حتى للتفرد بالسلطة تحت غطاء التغيير والانعتاق من المحاصصة.
كنا كعراقيين نعود الى منازلنا محبطين، لكننا الان نأوي اليها خائفين وجلين على مصير "الاصلاحات" التي تواجه مصيرا صعبا. خشيتنا من سرقة أمل بات يلوح بالافق بعد طول احباط.
الإصلاح وقبعة الساحر
[post-views]
نشر في: 10 أغسطس, 2015: 09:01 م