زهير كاظم عبود من بين أهم ركائز دولة القانون أن تخضع جميع السلطات فيها للقانون ، وأن يتساوى الجميع أمام القانون دون استثناء ، وأن توزيع وظائف الدولة بين السلطات الثلاث اعتمادا على نظرية فصل السلطات يحقق رقابة متبادلة ومهمات محددة ، إذ تختص السلطة التشريعية بسن القوانين ، وتقوم السلطة القضائية بتطبيق تلك القوانين وتفصل في المنازعات والخصومات المعروضة أمامها
بالإضافة الى رقابتها على عدم خرق الدستور كضمان من ضمانات مبدأ الشرعية ، في حين تقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن كلا السلطتين شكلت نظرية فصل السلطات الدستورية قاعدة عملية لتنظيم عمل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وعدم تجاوز حدودها ضمن الإطار المرسوم لها ، كما شكلت هذه النظرية الإطار العملي الذي يمهد للنظام الدستوري الديمقراطي البديل عن الأنظمة الدكتاتورية التي تحصر ممارسة كل هذه المهام عادة بيد سلطة واحدة، ووفق هذا المنهج تكون جميع السلطات والمرافق تابعة للسلطة الواحدة ، في حين تشكل نظرية فصل السلطات التي اعتمدها دستور جمهورية العراق لعام 2005 على أحد مبادئه الرئيسية، ومع إن هذه الاستقلالية بين السلطات لا تعني الانسلاخ عن منظومة العمل الدستوري، إلا أنها تعني عدم تعدي أو تجاوز أي منها على عمل ومهام الأخرى ، وهذه النظرية تعطي الاستقلالية والحرية للسلطة القضائية بما يتيح لها ممارسة دورها المهم في بناء دولة القانون وترسيخ مبادئ العدالة، كما يعطي للسلطة القضائية القدرة على الحركة وحرية الأداء والتطور ضمن دائرتها، بالإضافة الى عدم تأثرها بالمواقف السياسية للسلطة التنفيذية، ودون إن تتقيد بمراقبة كلا السلطتين أو تدخل أي منها في عملها أو في قراراتها ، وبهذا تضمن ليس فقط قدرتها على التطبيقات القانونية السليمة للقوانين ، وليس فقط حسم القضايا وتطبيق معايير العدالة والقانون بحيادية وعدالة وإنما تمكين المواطن من مقاضاة أي مركز من مراكز السلطتين التشريعية أو التنفيذية أمام القضاء في حال شعوره بخرق الدستور أو العمل بما يخالف النصوص القانونية، ما يدفعها للتطور والإبداع في عملية البحث والاستنتاج، وإيجاد القواعد القانونية المتناسبة مع الظروف، ولهذا يعد استقلال القضاء من المقومات الأساسية التي تساهم في تثبيت دعائم العدالة والقانون ، وفي رفع مستوى الأداء. ولا مكن بأي حال من الأحوال الاطمئنان الى قضية الحقوق إلا بوجود قضاء مستقل. وإن استقلالية القضاء تعني أيضا التزام مؤسسة القضاء العراقي بالحيادية وعدم الانحياز لأية جهة كانت، وعدم الخضوع في إصدار الأحكام والقرارات لأي من السلطتين أو للمصالح الخاصة، وبالتالي عدم تمكين تلك المصالح من النفاذ داخل جسد القضاء، و عدم تمكنها من إحداث شروخ تحرف القضاء عن مسار الاستقلالية والحياد التي تتطلبها طبيعة العمل القضائي الذي يلزم أن يصدر أحكامه وقراراته بمعزل عن أي مؤثر سوى القانون . إن العمل على تجسيد نصوص الدستور التي تؤكد استقلال القضاء أمر حيوي لابد من تكاتف كل الجهود لإنجاحه ، حيث إن استقلال القضاء تفرضه الضرورة مثلما تلزمه النصوص الدستورية ، ومن اجل إن يتم تثبيت معالم دولة القانون التي طالما افتقدها أهل العراق زمنا طويلا في ظل حكومات الانقلابات المتعاقبة ، ولم يشعروا بها في ظل الحكومات التي أعقبت النظام الملكي ، بالإضافة الى أنه يشكل الضمانة الحقيقية للخصوم مهما كانت مراكزهم القانونية . وهذا الأمر يدفع بالضرورة الى أن تهتم السلطة التشريعية والتنفيذية بوضع القضاء العراقي وتساهم في رفع كفاءاته ودعمه في الجوانب المعنوية والمادية . ليس المهم أن يتمكن القضاء العراقي من أداء دوره المرسوم دستوريا ووفقا لقانون التنظيم القضائي بشكل آلي وروتيني ، وليس مهما إن يكون للعراق قضاء يسد الفراغ وقضاة يملأون أبنية المحاكم ويسدون شواغرها ، إنما المهم في أن يكون هذا القضاء مستقلا بالمعنى الحقيقي للاستقلالية ، حياديا بعيدا عن الميل الى أية جهة سياسية أو مراكز قوى أخرى ، وينأى بنفسه عن إن يكون طرفا في شؤون خارج اختصاصاته تبعده عن التمكن من أداء دوره الحقيقي ، ويخرجه عن معانيه الحقيقية في الاستقلالية ، واستقلالية القضاء العراقي تعني بناء قضاء مستقل قوي ، يعتمد على رموز قضائية تتمتع بالكفاءة والخبرة ، بالإضافة الى حياديتها ونظافة سيرتها ، والاستفادة من التجربة القضائية والسمعة التي كان القضاء العراقي يتمتع بها قبل حلول الدكتاتورية ومساهمتها في المساس بسمعة ومسيرة القضاء العراقي حيث كانت صفحة القضاء العراقي وبشكل نسبي نظيفة وجديرة بالتقدير ، واستقلالية القضاء العراقي تعني قدرة هذا القضاء على التمسك بالحيادية وكسب ثقة المواطن في عدالته . وليس غريبا أن تنص جميع الدساتير التي حلت في ال
استقلالية القضاء العراقي في الدستور من ركائز دولة القانون
نشر في: 4 يناير, 2010: 04:23 م