حفزت المطبات الاصطناعية الكثيرة في شوارع مدينة السليمانية فريقاً هندسياً من جامعة السليمانية التقنية على ابتكار منظومة تولد طاقة نظيفة ورخيصة للاستفادة منها في تشغيل الإشارات المرورية وغيرها من علامات الطرق والحصول على معطيات إحصائية مهمة عن حركة الس
حفزت المطبات الاصطناعية الكثيرة في شوارع مدينة السليمانية فريقاً هندسياً من جامعة السليمانية التقنية على ابتكار منظومة تولد طاقة نظيفة ورخيصة للاستفادة منها في تشغيل الإشارات المرورية وغيرها من علامات الطرق والحصول على معطيات إحصائية مهمة عن حركة السير يمكن استثمارها من قبل الأجهزة المرورية والبلدية، في تأكيد جديد على أن الحاجة أم الاختراع.
وتبلورت برأس التدريسي في الكلية التقنية الهندسية، عصام عبد الرزاق حمد، عندما لاحظ كثرة المطبات الاصطناعية التي يضطر لعبورها يومياً في شوارع السليمانية، وتوقف بعض الإشارات المرورية نتيجة انقطاع الكهرباء.
ويقول حمد، المهندس الحاصل على شهادة الماجستير من إحدى الجامعات الماليزية، في حديث إلى (المدى برس)، إن "الفكرة راودته نتيجة الازعاج الذي تسببه المطبات الاصطناعية في الطرقات برغم أهميتها المرورية، فسعى إلى تحويلها لشيء مفيد للمجتمع"، مشيراً إلى أن تلك المطبات "أصبحت بنظره مولد نبضات ترددية يمكن استثمارها لتوليد الكهرباء والحد من تأثير أزمة الطاقة على الإشارات المرورية وإعلانات الطرق".
ويضيف التدريسي في قسم هندسة الإنتاج والمعادن، إن "الفكرة سرعان ما تبلورت لتصبح رسومات وتصاميم قابلة للتنفيذ، لاسيما بعد التوجيهات المستمرة من قبل رئاسة الجامعة والقسم بشأن ضرورة خدمة المجتمع وحل مشاكله"، مبيناً أنها "تتلخص في تحويل الحركة الترددية الناجمة عن مرور المركبات فوق المطبات الاصطناعية في الطرق، إلى حركة دورانية تستثمر في تدوير مولد كهربائي صغير الحجم، لتوليد الطاقة".
ويوضح المهندس المبتكر، أن "الكهرباء الناتجة عن المنظومة يمكن أن تشحن بطارية لخزن الطاقة، تربط بعاكس لتحويل التيار المستمر DC إلى متناوب AC يمكن الاستفادة منه في تشغيل الإشارات المرورية (ترفك لايت) والعلامات الضوئية وإعلانات الطرق وغيرها، بنحو مستمر حتى في حال عدم مرور السيارات فوق المطب الاصطناعي".
ويؤكد حمد، أن "حماسة المهندسين دارا جمال وشاد نبز عمر، حفزتهما على المباشرة بتصنيع النموذج الاختباري الأولي للمنظومة برغم ضعف الإمكانات المادية المتاحة"، لافتاً إلى أن "المهندسين دارا وشاد، بذلا جهداً حثيثاً في تحويل المنظومة إلى واقع عملي، وتأمين المواد الأولية اللازمة لتصنيعها من الأسواق المحلية، لاسيما تلك المعنية بتفصيخ السيارات، بعد إنفاقهما أكثر من ثلاثمئة ألف دينار من جيبهما الخاص".
وبشأن مكونات المنظومة، يقول المهندس دارا جمال، في حديث إلى (المدى برس)، إنها "تتكون من نابضين حلزونيين كبيرين واسطوانتين معدنيتين مجوفتين تعملان كمفصل متحرك، وتوضعان داخل النابض الحلزوني"، مضيفاً أن "قطعة المطب الاصطناعي ترتبط بأربعة مجاري معدنية تتحرك بواسطة مدحرجات منزلقة (بولبرنات)، حيث يتم تحويل الحركة الترددية العامودية الناجمة عن مرور السيارات فوق المطب الاصطناعي، إلى دورانية، بواسطة تروس معشقة مع جريدة مسننة (Rake & Pinion Gears)، إذ يتم تعشيق الترس مع محرك مغناطيسي دائم (PMDC Motor) لتوليد تيار كهربائي مستمر مقداره 12 أو 24 فولت، بحسب نوع المحرك والبطارية المستعملين والغاية المرتجاة من المنظومة".
ويذكر جمال، أن "البطارية ينبغي أن توصل بعاكسة لتحويل التيار المستمر إلى متناوب بفولتية مقدارها 220 فولت للاستفادة منه في تشغيل مختلف أنواع الأحمال المطلوبة كالأجهزة والإشارات المرورية وعلامات الطرق والإعلانات وغيرها، بحسب الحاجة".
وقد واجه فريق العمل صعوبات ومفارقات عدة خلال تصنيع المنظومة، منها ما كاد يعرضه للعقوبة الإدارية، كما يقول المهندس شاد نبز عمر.
ويذكر عمر، في حديث إلى (المدى برس)، أن "عدم توافر المواد القياسية المطلوبة لتصنيع المنظومة في ورش الكلية اضطر فريق العمل إلى البحث في الأسواق المحلية ومحال تفصيخ السيارات عن غايته، فعثر على نوابض حلزونية (دبلات) مناسبة، وباقي القطع المعدنية"، مبيناً أن أحد التجار "أصر على بيع الفريق مقود سيارة كامل رافضاً تزويده بالقطعة التي يحتاجها منه فقط، ما حملنا ثمناً مضافاً".
ويتابع المهندس الشاب، أن "جهاز اللحام الخاص بورشة الكلية تعطل خلال تصنيع المنظومة، مما أدى إلى إثارة غضب المعنيين واتهامنا بالتقصير والتهديد بعقوبتنا وتغريمنا ثمنه، برغم عدم مسؤوليتنا عن ذلك"، ويستطرد لولا "تفهم رئيس قسم الإنتاج والمعادن الدكتور باسم دزه يي وتدخله لدى عمادة الكلية لحصل ما لا يحمد عقباه".
وعن مزايا المنظومة يقول صاحب فكرتها، التدريسي عصام عبد الرزاق حمد، إنها "توفر طاقة رخيصة ونظيفة صديقة للبيئة وتؤمن ديمومة تشغيل الإشارات والعلامات المرورية بعيداً عن الكهرباء الوطنية ومشاكلها المستمرة"، ويضيف أنها يمكن أن "تستثمر في تحديد مسارات الطرق المزدحمة لتجاوزها قبل الوصول إليها بوضع إشارة دلالة قبل مسافة معقولة لتنبيه السائقين، وذلك بربط عداد مع المنظومة لحساب السيارات المارة فوق المطب الاصطناعي وإعطاء إشارة بشأن كثافة السير فضلاً عن توفير معطيات إحصائية للأجهزة المرورية والبلدية عن الكثافة المرورية في الشوارع".
ويؤكد التدريسي المبتكر، على أن "المنظومة الريادية مرنة جداً بما يتيح إمكانية تطويرها وديمومة عملها بدقة أكبر بإدخال بعض التغييرات البسيطة على تصميمها ومكوناتها وفقاً لاحتياجات الجهة المستفيدة"، ويدعو إلى ضرورة "تخصيص مبالغ مناسبة لنشاط البحث والتطوير وتصنيع الأجهزة والمنظومات لأهمية ذلك في الارتقاء بقدرات الباحثين وإسهامهم في خدمة المجتمع".
على صعيد متصل يعتزم قسم الإنتاج والمعادن في الكلية التقنية الهندسية، دعوة الجهات المعنية لإطلاعها على المنظومة بغية الاستفادة منها، ويدعو قطاعات العمل والإنتاج بالمحافظة، لاستثمار خبرات وإمكانيات منتسبي القسم بخاصة وجامعة السليمانية التقنية بعامة، خدمة للصالح العام والفائدة المشتركة، بحسب رئيسه الدكتور باسم علي خضر دزه يي.
ويقول دزه يي، في حديث إلى (المدى برس)، إن منتسبي القسم تمكنوا من "ابتكار العديد من الأجهزة والمنظومات المفيدة لخدمة مختلف قطاعات العمل والإنتاج ومنها منظومة توليد الكهرباء من المطبات الاصطناعية"، ويبيّن أن القسم "ينوي تنظيم ورش عمل مع الجهات المعنية في محافظة السليمانية ومديرية المرور لاطلاعها على نتاجات منتسبيه بغية الاستفادة منها".
ويوضح رئيس قسم هندسة الإنتاج والمعادن في الكلية الهندسية التقنية، أن "منتسبي القسم يحرصون على تسخير خبراتهم العلمية والفنية لخدمة قطاعات العمل والإنتاج في محافظة السليمانية وخارجها"، ويتابع أنهم "نفذوا من خلال المكتب الاستشاري للكلية، الكثير من الأعمال لصالح مختلف الجهات المستفيدة، مقابل أجور شبه رمزية".
ويدعو دزه يي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إقليم كردستان إلى ضرورة "إعادة النظر بعمل المكاتب الاستشارية في الكليات والمعاهد بغية تذليل العقبات التي تعترضها وتفعيل نشاطها لما لها من دور مهم في استثمار طاقات المنتسبين خدمة للصالح العام".
يذكر أن قسم هندسة الإنتاج والمعادن في الكلية التقنية الهندسية بجامعة السليمانية التقنية، تأسس عام 2003 باسم قسم الميكانيك واللحام، قبل أن يحمل اسمه الحالي عام 2007، وأن لديه 18 مختبراً وتسع ورش لتغطية مفردات المنهج الأكاديمي لأكثر من 230 طالباً وطالبة على مدى أربع سنوات، فضلاً عن المشاريع البحثية والريادية.