الرئيسية > أعمدة واراء > نوايا العبادي وتاريخ العراق

نوايا العبادي وتاريخ العراق

نشر في: 12 أغسطس, 2015: 09:01 م

الايام الثلاثة الماضية منحتنا جميعا شحنة حماس منقطعة النظير، ربما لاننا متعطشون لحدوث اشياء تجلب بعض الامل. واجمل ما حصل هو ان المظاهرات التي كانت تهدد بسحل الحكومة، تحولت الى فعل يحمي الشرعية ويساند الحكومة. بحيث ان الكثيرين من المؤيدين المتحمسين للمظاهرات، صاروا مرتبكين جدا. كانوا يريدون تصفية خصومهم عبر ركوب الموجة، لكن خصومهم نجحوا في "تصفيتهم". والسيد المالكي مثال بارز على هذا، بعد ان خسر منصبين كبيرين في اقل من عام واحد!
وبعد ثالث ايام الحماسة والنشوة، علينا ان نعود لطرح الاسئلة. فتاريخنا العراقي مليء بالانقلابات والتحولات والثورات. وكل تلك اللحظات الحاسمة كانت تتبنى بحماس شديد، فكرة الاصلاح. وكان الحال يشبه حالنا اليوم، فكل فريق يؤمن بنسخة خاصة للاصلاح تناقض الاخرى. نوري السعيد كان يؤمن بتنمية وتحديث بطيئين، وعلاقة متينة بالغرب. انصار الزعيم كانوا يحبون التجارب الاشتراكية (تأميم، اعادة توزيع الارض، اقتراب من اساليب موسكو). البعثيون طرحوا خلطتهم الخاصة من "الاصلاح" ثم غاصوا بالدم. وهكذا. والسؤال اليوم، ماذا يختلف مشروع اصلاح السيد حيدر العبادي، عن المشاريع السابقة؟
ان عبارات "القضاء على الفساد، واختيار الكفاءات، ووحدة الوطن ضد المحاصصة.." هي اشياء حلوة ترددت على لسان كل زعماء التحولات العراقية وغير العراقية منذ الاربعينات. وهي تتردد اليوم على لسان المتظاهرين، وفي اوراق الحكومة واجراءاتها. وخلال بضعة ايام باتت كل الاحزاب السياسية تردد العبارات نفسها. ومن يجرؤ على المعارضة؟ لكن السؤال المطروح اليوم: ايها العبادي الطيب والمحظوظ، كيف ستضمن النجاح، بعد فشل عشرين محاولة سابقة كانت تحلم بالاصلاح او تزعم الاصلاح؟
لا احد، ولا العبادي، لديه ضمانة. لكن هناك اجراءات تجعلنا نشعر باطمئنان نسبي ونبلور توقعات وتقديرات معقولة. منها ان نعرف: من هو الفريق الذي يقوم بوضع برامج الاصلاح؟ هل هناك خبراء من وزن ثقيل؟ هل هناك تكنوقراط عراقيون معروفون في مختلف البلدان، سيجري الاتصال بهم، لكي نكون لاول مرة امام رأي علمي، لا امام استعراض سياسي مليء بالغباء، كالغباء الذي تحدث عنه نوري المالكي يوم اعلن فشل مشروع المحطات الغازية لتوليد الكهرباء، قائلا بنحو صادم: "هو احنه عندنا غاز، حتى نشتري محطات تشتغل بالغاز؟ هذا غباء". ولا احد سأل المالكي: انت الذي انفقت ٧٠٠ مليار دولار طوال حكمك، ألم تسمع من حاكم خليجي او اعجمي، ان هناك شركات استشارية، تضع الخطط المضمونة، للتخلص من الغباء؟
ان السؤال عن الفريق الذي سيضع الاصلاحات ويراقب تطبيقها، هو سؤال تاريخي: هل ستتكرر خيباتنا، ويختلط الخداع بحسن النوايا، وتتبدد فرص جديدة؟ ام ان العبادي يتعلم من اخطاء ٩٠ سنة هي عمر العراق الحديث، وسيكون شاطرا في الانجاز، لا في التحكم والسيطرة والتغول والتفرد، لا سمح الله؟ اؤكد لكم اننا سنحصل على جواب واضح خلال بضعة شهور، لكن المهم ان لا يكون اوان الفعل الايجابي قد فات.
لكن الامر برمته يتطلب منا ان نتخلص من فكرة سيئة اكررها اليوم. اذ يعتقد البعض ان احزاب السلطة شريرة، وحين نقوم "بسحلها" سيبقى الطيبون فقط ويشكلون حكومة اشراف نجباء. لكن علينا الانتباه الى ان وضع العراق الحالي من شانه خلق الف حكومة شريرة وعاجزة. ان كل طيب وشريف سيصبح شريرا بنحو تلقائي، اذا كان في بلد تنقصه القواعد والضوابط التي يجب ان نتعلمها من التجارب المتقدمة. والحل لا يكمن في سحل الساسة ولا في تدمير المنطقة الخضراء. بل في تحديث قواعد السياسة والادارة والاقتصاد عبر "التصالح مع الاجنبي" والشراكة المسؤولة معه. لان ظهور "عبقرية محلية سحرية" امر غير ممكن، حتى لو حصلنا على افصح الخطابات، واجمل المشاعر المتحمسة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو احمد

    لماذا التركيز على التصالح مع الاجنبي قبل ان نتصالح كعراقيين فيما بيننا وفق مبدأ المواطنة والمساواة امام القانون العادل الذي يطبق على الجميع بعدالة لنحاسب الفاسدين والحرامية ونستفيد من الكفاءات العراقيةالنظيفة التي لم تشارك في نهب المال العام قبل وبعد 2003

  2. ياسين عبد الحافظ

    لن تكون الاصلاحات الا تحصيل حاصل للذى كان والذى يكون ويجري، لاتختلفوا من سيكتب ،الخلاص يكمن بالرغبة الصادقة لخدمة الناس وخلاصهم ،وايلاءالسلام القدر الذى يستحقه من الجهد والوقت

يحدث الآن

التربية تصدر إعلاناً بشأن دوام غداً الأحد

ما سبب تغاضي "إدارة الدولة" عن تعديل قانون الانتخابات؟

الكشف عن نسب إنجاز مشاريع ميناء الفاو

وزير الصناعة: منافسة المنتج المحلي للبضائع المستوردة صعبة

انتهاء المفاوضات بين إيران وامريكا

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية..العدالة الدولية تحت المطرقة

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

العمود الثامن: اربيل تقرأ

 علي حسين صبيحة كل يوم يجد المواطن العراقي المسكين نفسه محاصرا بأخبار الصراع على السلطة، بين الذين يجلسون على كراسي السلطة.. حالة غريبة وعجيبة. هذا المواطن بعد تجربة مريرة لن يصدق أكذوبة أن...
علي حسين

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

 علاء المفرجي الانتاج السينمائي الموجه للجماهير العريضة بهدف جني الارباح من شباك التذاكر، هو الظاهرة التي لازمت الانتاج السينمائي في كل مكان، وربما كانت السبب الأساس في تراكم خبرة السينمات التي أزدهرت فيما...
علاء المفرجي

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

بلقيس شرارة منذ خمسة اعوام فارق رفعة الحياة، وترك فراغاً كبيراً في حياتي. فقد كان رفيق فكر منذ ان تعّرفتُ عليه، وارتبطت حياتنا بذلك التقارب الفكري الذي ثبّت الأسس التي بنيت عليها تلك الرفقة...
بلقيس شرارة

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

د. قاسم حسين صالح يعدّ الأمام علي اول خليفة وأول رجل دين في الأسلام ينتبه وينّبه الى صفة غاية في الأهمية يشترط توافرها في الحاكم هي ان يكون متمتعا ( بصحة نفسية وعقلية!).. وتعني...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram