في معرضها (الماضي والحاضر و.... المستقبل) - قاعة بغداد في المركز الثقافي العراقي بلندن) تحاول أنسام الجراح أن تضفي على تجربتها طابعا ماديا حسيا، وهو ما كان يسميه شاكر حسن ال سعيد (التجربة المكانية) حينما يؤكد في كتابه (أنا النقطة فوق فاء الحرف) ''إن
في معرضها (الماضي والحاضر و.... المستقبل) - قاعة بغداد في المركز الثقافي العراقي بلندن) تحاول أنسام الجراح أن تضفي على تجربتها طابعا ماديا حسيا، وهو ما كان يسميه شاكر حسن ال سعيد (التجربة المكانية) حينما يؤكد في كتابه (أنا النقطة فوق فاء الحرف) ''إن تجربة الفنان المكاني تبقى تجربة تنظر لتقنيتها، اي (تطمس) رؤيتها في (اختزاليتها) التقنوية'' (ص21).. وهو يؤكد ان مكانية ذلك ''التجذر'' نابعة ''من خلال الأبعاد'' (آل سعيد – السابق - ص19)؛ لان ''لعالم المادة تجذره'' (آل سعيد – السابق - ص19)، فكانت أنسام الجراح تستعيد عملية (صنع) الأثر ولكن عبر العمل الفني هذه المرة، فتستعيد ادوار (القوى) التي تصنع الأثر في الطبيعة، تستعيرها على سطح اللوحة عبر مؤثرات: قسم منها برامجي فوتوشوبي، وقسم منها يدوي، وفي كلتا الحالتين يكون الهدف الاسمى للتجربة بتقنياتها المنبثقة من العناصر التكوينية وتعيناتها المادية، وهو هدف لا يتعدى إعادة اكتشاف اللغة السرّيّة للطبيعة. فتتحول اللوحة الى شريحة لواقعة اخرى، ربما لأرضية متآكلة من اثار اقدام العابرين، او جدار ترك عاشق عابر علامة حب مؤثرة عليه، وربما تكون واقعة الكترونية، او ربما مادية شيئية. ولكن في كل احوالها تبدو وكأن قوى الطبيعة فيها فاعلة في كل هذه الوقائع على تنوعها، فستعيد قواها فاعليتها على سطح اللوحة، فنجد قوة الهبوب حينما يكون الهواء الية لنفخ اللون على سطح اللوحة، وفاعلية الحرق باستخدام المؤثرات النارية على سطح اللوحة، والترابية حينما يوضع اللون بشكل عجائن طينية، وقد يتخذ اللون صفته المائية حينما تخفف كثافة اللون لينتهي الى ان يكون شفافا تتراءى طبقاته طبقة من خلف أخرى.
ربما بسبب تخصصها بالتصميم، وربما بسبب اشتغالها بالطباعة وموادها وتقنياتها تمكنت الرسامة (أنسام الجراح) من توليد كائن مزدوج، يماثل الغريف وابي الهول وغيرها من الحيوانات المركبة، كائن يساهم الرسم والتصميم في إنتاجه، ويقف مرحلة وسطا بين جينات هذين الفنين، إلا أنها كانت تنحو بكائنها المركب هذا نحو أن يتحول فيه التشخيص والمشخص إلى ملمس، أو إلى رؤية ملمسية، قد تلمس، وقد نشعر بوجودها، دونما حاجة لتحسسها برؤوس أصابعنا، حيث يغور الشكل في المادة فيمتلك شكلا ملمسيا (تقنيا)، وان العلة الصورية التي يهيمن بواسطتها المشخّص وقوانينه على الرؤية البشرية، تماثل ما يفترضه (ر. روجرز) في كتابه (الشعر والرسم) بان قوانين الهندسة الاقليدية تهيمن على تفكيرنا حينما نتخيل مثلثا وهميا يوصل ثلاث نقاط سوداء على سطح ابيض، وحينما تتحول تلك العلة الصورية (المشخّصة) الى (علة مادية) عندها يغدو الشكل مادة، أو ملمسا.. اي ينتقل الخيال من الانغماس في الشكل وفي الموضوعات الناتجة من تشكل الصور في اللوحة، الى خيال مادي هيولاني قبل تشكله، أو ربما في عصياني الأبدي على التشكل..
تقول أنسام الجراح :"أجرب حاليا أسلوبا جديدا بالنسبة لي، هو ناتج امتزاج فنّي: الرسم والفوتوغراف، وان اهتمامي منذ سنوات هو توظيف السكراب (المواد التالفة) وتحويلها إلى أعمال فنية. وأحيانا استخدم مواد مختلفة جديدة، فانا الآن أنفذ عملا جديدا من مواد متعددة، وفيها حس كرافيكي، وهذا ما أميل إليه. ويمكن ان يكون ذلك ناتج خبرتي ودراستي للكرافيك، والعمل به لسنوات في الحياة العملية مما رسخ عندي هذا التوجه. ان ذلك لا يعني ان كل عمل ينطوي على خامات مختلفة، ومواضيع جديدة.."
لا تنهج انسام الجراح اسلوبا معينا، ولكنها تحرص ان تمتلئ اعمالها شاعرية ربما كانت ناتج هوسها بدراسة الموسيقى والفن التشكيلى منذ صغرها، فتعايشت مؤثراتهما عبر زمن طويل كان كافيا على توسيع رؤيتها، منذ ايام دراستها في معهد الفنون الجميلة حينما كانت تدرس فن الكرافيك على يد أستاذها الراحل رافع الناصري. ثم دراستها في أكاديمية الفنون الجميلة في روما وبعدها في لندن متخصصة بالتصميم الإعلامي.