لم يبق أحد من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة لم ينتقد الدستور المُستفتى عليه منذ عشر سنوات .. أعضاء مجالس النواب بأجمعهم تقريباً وكذا قادة الكتل والائتلافات والوزراء ورؤساء مجالس الوزراء والمحافظون، فضلاً عن قادة وكوادر الأحزاب غير الحاكمة والشخصيات السياسية المستقلة والإكاديميين وخبراء القانون، اشتكوا مرّ الشكوى بدل المرة عشرات المرات.
هؤلاء قالوا وأعادوا القول بأن الدستور ناقص وكُتِب سريعاً، بذريعة ثبت سريعاً أيضاً أنها جوفاء، وهي أن سنّ الدستور، وإن على عجل، سيحقق الاستقرار للبلاد التي نظّم فلول النظام السابق مقاومة ضارية له اشتدت بالتحاق المنظمات الإسلامية السلفية المتطرفة به لتصبح لاحقاً هي قائدة حركة التمرد، وتقوّت بسوء إدارة الحكومات المتعاقبة وفشل نظام المحاصصة في تحقيق غايته المزعومة
لتمرير صيغة الدستور الناقصىة لجأ مشرّعوه الى حيلة، فقد ضمنوا الدستور مادة تقضي بتعديله خلال مدة محددة، وقد انتهت المدة بانقضاء العام 2006.. فمجلس النواب الأول المنتخب مطلع ذلك العام شكّل لجنة وضعت مقترحات للتعديلات اللازمة، وكان من المفروض أن يناقش برلمان 2006 – 2010 المقترحات ويتفق على صيغة للتعديلات تُطرح على الاستفتاء العام .. لم يحصل ذلك حتى الآن، بل إن الطبقة السياسية الحاكمة ركنت الدستور وأحكامه جانباً وتوافقت على نظام حكم غير دستوري، هو نظام المحاصصة، الذي قالت انه سيُطبّق لدورة حكم واحدة من المفروض أنها انتهت بانتهاء الدورة البرلمانية الأولى في أوائل 2010. لكنّ الأمر انتهى الى أن أصبح نظام المحاصصة غير الدستوري محل الدفاع المستميت والاحترام الشديد من الطبقة الحاكمة بزعم أنه غدا "أمراً واقعاً"!.. ولا سرّ في ذلك فهذا النظام يخدم مصالح هذه الطبقة ويحقق لها الاستمرار في مراكز القرار والسلطة والنفوذ والمال. وفي إحدى المناسبات أعلن رئيس الحكومة السابق نوري المالكي أن الدستور مليء بالألغام، لكن حكومته برغم نفوذها الطاغي في البرلمان والسلطة القضائية لم تفتح ملفّ التعديلات الدستورية ولم تحاول أن تجعل البرلمان يصادق على التعديلات المقترحة أو إعادة مناقشتها.
نحن الآن بإزاء استحقاق الإصلاح الإداري والمالي والسياسي المطروح على البرلمان، بيد أن هذا الاستحقاق لن يُقدّر له ان يكتمل من دون دستور جديد (معدّل) يضمن تحقيق الإصلاح المطلوب .. الدستور الحالي ناقص وحمّال أوجه .. هذا ما يؤكده السياسيون وخبراء القانون، ودستور كهذا لن يمكنه المساعدة في إقامة النظام الديمقراطي المنشود.
تعديل الدستور مطلب ملحّ مثل الإصلاح، بل قبل الإصلاح، ولا يمكن الفصل في ما بينهما. ولن يحصل تعديل الدستور بالصيغة التي تنظّفه من الألغام والمتفجّرات المبثوثة فيه، ولا تشريع القوانين الأساسية التي حكم دستور 2005 بسنّها ولم تُسنّ، ما لم يعهد بالأمر ليس إلى أعضاء في مجلس النواب فحسب وإنما الى خبراء القانون، وبخاصة الدستوري، وممثلي منظمات المجتمع المدني الرصينة، قبل ان تُطرح الصيغة الجديدة للنقاش العام.
هذه مهمة مطلوبة الآن ولا تحتمل التأجيل، ولابدّ أن تكون المطلب الأول للتظاهرات.
المطلب الأول
[post-views]
نشر في: 14 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ياسين عبد الحافظ
اؤيدك، لكن الدستور الحالى كتب بوجود القوات الاميركية وما كان ممكن كتابته بغيابها كما اعتقد، ولن يتمكن العراقيون من كتابة دستور لوحدهم هذا من دروس التاريخ القريب ،يمكن ان نتكتب دستور على طريقة صدام ، صحيح كلامك لكن العجلة دارت، وان التفاعل الكيماوى الاجتما