مناجيات مع هيرمان هيسّه
4
مثلك أكلمها ـ واصغي إليها واعرف كيف اتعامل معها ، الشجرة النبيلة المعطاء ، هي صورة الأم التي لا تتوقف عن بذل المحبة ، من يصغي إليها بوسعه ان يتعلم الحقيقة ،هي لاتقدم مواعظ أوتفرض التعاليم ،ولكنها تبشر بالقانون الأقدم للحياة ، غير مبالية بالتفاصيل الصغيرة.
- حدثنا ايها الشاعر المرهف المفتون بالطبيعة هيرمان هيسه ، ماذا تبوح لك الشجرة ؟؟
- تهمس لي الشجرة: انصت جيدا ، النواة مخبأة في داخلي والشرارة والفكرة أيضا ، حياة مقتبسة من الحياة الأزلية ..
- وبعد ، ماذا منحتك الغابة من أسرارها وبماذا همست لك ؟؟
- كنت أنصت اليها شجرة ، شجرة ، أقدر فرادتها ، كل واحدة بميزاتها ، لا أصغي لضجة الحشد من الشجر والناس ، تقول لي الشجرة :قوتي تكمن في ثقتي ، لست اعرف شيئا عن آبائي وأسلافي ، ولا أعرف شيئا عن آلاف الأبناء الذين سينبثقون مني كل عام ، أنا أحيا بالسر المودع في بذرتي حتى أبلغ نهاية المطاف ، أثق بقدسية عملي، وبهذه الثقة أحيا واستمد منها قوتي للمقاومة..
- هل قامت الأشجار بمهمة مواساتك عندما تراكمت عليك الخطوب ؟؟
- أجل ، قالت لي الشجرة ، اهدأ ، اهدأ ،انظر إلى الحياة ، إنها ليست صعبة وليست سهلة أيضا ، إن ما يجهدكم ويتعبكم أن دروبكم تقود بعيدا عن الأم والوطن وكل خطوة تخطونها وكل يوم يمر عليكم يعود بكم ثانية إلى حضن الأم ، ليس الوطن ما يقال أنه هنا أو هناك ، إنه إمّا في داخلكم أو لاوجود له على الإطلاق ، فتشوا عنه في أعماقكم ..
- كاتبنا العظيم المعروف بالحكمة ، هل تشبه الأشجار البشر؟؟
- لا ، الأشجار تتابع حفيفها مع كل غروب ،وتواصل دون ان تطرح المزيد من الأسئلة ، بينما نقف نحن محتارين أمام أفكارنا الحمقاء ، الأشجار لها افكار طويلة ممتدة ، ولها نَفَس مديد هادئ ،كما أن لها أعمارا أطول من أعمار البشر ، لكنها أكثر حكمة منا ونحن لا نجيد الإصغاء إليها ، وعندما نتعلم الإصغاء سنكتشف اتجاهات طريقنا.
- بِمَ تصفُ الأشجار بعد أن منحتها صفات الحكمة والرصانة والأمومة ؟؟
- كانت الأشجار وظلت بالنسبة لي الواعظ الأعظم تأثيرا في روحي ، إني أبجلها سواء أكانت تحيا في مجموعات أسرية في الغابات والبساتين ، أو منفردة وحدها وكلما وقفت بمفردها يزداد تبجيلي لها ..
- هل تشبهها بالأشخاص المتوحدين ؟؟
- نعم ، انها تشبه المتوحدين ولا أقصد النساك الهاربين من ضعفهم الى الزهد والحرمان ، بل العظماء المعتزلون ،أمثال بيتهوفن ونيتشة..
- هل حدثتك الشجرة كيف تنجز مهمتها وتبلغ هدفها ؟؟
- انها ترفض وقوفها العاجز ، تناضل بكل قوة حياتها وعزيمتها لتبلغ هدفها : ان تحقق وجودها وفق قانونها ،ان تبني شكلها الخاص .
- دعنا من الأشجار الآن ، أود ان اتساءل عن تناقضات أجدها في طروحاتك ؟
- اعترف بهذا فأنا اخاطب نفسي: انت تقول نعم لأشعة الشمس ونعم لتخيلاتك الطاهرة ، إذن عليك ان تقول نعم للقذارة والغثيان ، للذهب والطين والفرح والألم في داخلك ،عليك ان تتقبل كل شيء ولا تتجنب شيئا ولا تكذب على نفسك ، أنت عصفور في عاصفة دعها تعصف وتمسك بزمامك.
يتبع