ربما أنا أول من حذّر من دخول نماذج معينة من "المثقفين" على خط قيادة التظاهرات. لأن التظاهرات صارت في زمن العولمة أقرب للعلم منها الى الاجتهادات والكشخات وحب الظهور. استنجدت بابن المقفع لأذكرهم بان شرب السم للتجربة حماقة. مع ذلك أصر "القائد العام للقوات الثقافية" على ان "المدنية" لا حظّ لها بالنجاح مالم تستند إلى قوى الإسلام السياسي المسلح والمدعوم من إيران أيضا! أصر فكان ختامها اول البارحة زفت. لم اكن فتاح فال عندما توقعت ان "جماعتنا" سيتعرضون للضرب، ان كانوا رجالا، وللتحرش ان كانوا نساء، بل لدي عقل يستحضر التجارب. ما حدث بالضبط كان نسخة "مطورة" مما حدث للمتظاهرين في ساحة التحرير يوم 25 شباط 2011. وهاكم التسلسل:
نوري المالكي سبق تظاهرات 25 شباط بتهمة انهم عملاء ومدسوسون. في التظاهرات الأخيرة أضاف لها انها ضد الإسلام ودين محمد والمرجعية.
في 25 شباط حرك مجالس اسناده وعشائره لتتوجه الى ساحة التحرير لتنهال بالمكاوير والعكل على المتظاهرين. اول من أمس جاء بشباب بلطجية مسلحين بالعصي والسكاكين والمقصات. الفارق هذه المرة ان "القائد العام للقوات الثقافية" مهد له الطريق بإصراره على ان ادخال عصائب وكتائب تسانده علناً وتريد عودته للسلطة. فرضهم غصبن على اليرضه والما يرضه.
بالمناسبة كان "القائد الثقافي" اول الشاردين وأقدر المبررين للشرود العلني من ساحة الوغى الى ساحة فيسبوك كما توقع الجد الكبير لينين.
أما أخطر انذار بوقوع الواقعة فهو منع القنوات الفضائية من الدخول الى ساحات التظاهر عدا قناتين معروفتين بولائهما التاريخي للمالكي .
غباء "المنظمين" المدنيين اعماهم من الانتباه الى هذه الخطة الخبيثة. لو كانت هناك كاميرات فضائية لما استفردت بهم العصابات المسلحة لأن العالم كله سيرى ما يفعلون. الاعلام، يا حضرات الإعلاميين، يحمي المتظاهرين اكثر مما تفعل أي قوة امنية. منع الاعلام كان السلاح الاقوى بيد صدام. كان يصعب على العراقيين اثبات جرائمه للعالم لأنه ارتكبها في غياب الكاميرات.
كيف قبلتم يا حضرات "المثقفين" بحجب أصوات العراقيين عن العالم؟ هل كانت تظاهرات المصريين ستهز الدنيا لولا وجود القنوات العربية والعالمية؟ العراق ما زال تحت البند السابع وغصبن على ساسته ان يخضعوا لضغط الرأي العام العالمي. بدون الاعلام المرئي سيكون الشعب كمن يرفع راية مطالبة في دربونة مظلمة يا "قادة".
مضطر وللأسف ان اسميكم اغبياء واتألم كالذي يشتم نفسه. أتعرفون من اتهمكم بالكفر أولا؟ انه رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية. ما معنى ان يتهمكم أكبر عسكري في دولة مجاورة بالكفر؟ ليش ما اعترض عليه حليفكم القوي المدعوم من إيران؟ فعل العكس وسانده بخطاب حاد من على قناته، بعد تظاهرة الجمعة قبل الفائتة مباشرة، ليتهم المتظاهرين بالزندقة واوعد بان سيكون له رد آخر في ما بعد ان لم يعودوا الى رشدهم.
يا مثقفينا غير تنتبهون؟ غير تروحون على هذا "القائد الثقافي" الذي اتى بهم مع سبق الإصرار ثم رفع اصبعه "مفشرا" ببذاءة سوقية على كل المعترضين عليه ثم كان اول الشاردين عند اول سطرة لتقولوا له: يا "ملّوح" ليش ما تطلع اصبعك عليهم مثل ما طلعته علينه؟