مع أني لست مع الذين يقولون بتغيير الاسماء (محافظين ورؤساء مجالس وأعضاء برلمان ...) لكي تستقر أوضاع العراق السياسية، ليقيني بأن مشكلة البلاد أكبر من وجود محافظ فاسد او رئيس مجلس محافظة تافه أو لجان بليدة، ذلك لأن المشكلة الكبرى إنما تكمن في وجوب تغيير العديد من القوانين والأحكام والكثير من التشريعات بما فيها بعض فقرات الدستور، إذ من غير الصحيح ان نتحدث عن اصلاحات هنا وهناك ونغفل الثغرات والألغام التي تركها كتبة الدستور، الذين جعلوا منه مظلة لفسادهم واستبدادهم وانحراف فقراته على وفق ما يشاؤون. لكن ما شاهدته في تظاهرات الجمعة الماضية في البصرة من تنديد وسخرية وتحقير للمحافظ ورئيس المجلس وسواهم جعلني أقول: ترى، كيف سيكون هؤلاء قادرين على تجاوز ذلك والبقاء على مقاعدهم في المبنى الحكومي، بعد الذي تعرضوا له.
في تظاهرة البصرة رفعت رايات تندد بالأداء السيء للحكومة المحلية، وهنالك شعارات طالبت بإصلاحات عدة خاصة بقطاعات مختلفة ليس آخرها الكهرباء او الماء او الخدمات البلدية، وقد رأيت الانضباط والمسؤولية التي رافقت التظاهرة، فقد كانت قوات "سوات" حارسا امينا عند المداخل التي تؤدي لمركز التظاهر، كذلك كانت قوات حفظ الشغب تقوم بمسؤوليتها على أتم ما يرام، أما اللجان التنسيقية التي تعمل على تنظيم التظاهرات فقد كانوا على مستوى عال من التحضر والمدنية في تنظيف المكان من خلال رفع النفايات وحماية المتظاهرين بوضع سور من الشباب بهدف عدم السماح لأي خرق أمني.
عند الجهة الثانية من جسر المحكمة، الذي يربط جهتي نهر العشار عند نقطة ساحة عبد الكريم قاسم وقفت مجاميع من التيارات المدنية، نخب مثقفة، أدباء وسياسيون، موظفون سابقون ومتقاعدون كانوا يختلفون عن كثير من المشاركين، من الذين يجوبون الشارع الطويل، حيث رفعت رايات وتعالت هتافات تندد بتصريح وبعبارات شتائم ضد بعض الرموز الدينية وضد المحافظ ورئيس المجلس وضد برلمانيين وبين فريق التيارات المدنية والتيارات المنفعلة وسط الشارع هناك مجاميع تقف بين النقطة هذه والنقطة تلك. ولكي نتمكن من رسم صورة للمتظاهرين في البصرة بشكل عام نقول كان التحضر والهدوء وبعث الرسائل المخلصة للإصلاح ظاهرة حضارية أكثر مما يقال عنها غير ذلك. حتى أن القوات الأمنية كانت ملتزمة جدا بحماية المتظاهرين، كذلك كان المتظاهرون حريصين على ان تبدو صورة التظاهر كاملة في رسم المطالب. بمعنى آخر نقول: إن الشعب في البصرة يستحق حكومة أفضل بكثير من حكومته الحالية."
ما تعرض له محافظ البصرة ماجد النصراوي من نقد ورفض لا يختلف عن ما تعرض له رئيس المجلس صباح البزوني، الطامح بمنصب المحافظ في حالة تصويت المجلس على إقالة النصراوي. والرجلان لم يكونا على وفاق في أمر من أمور المحافظة منذ أن تسلم النصراوي الكرسي الأول، والخلاف بين اعضاء كتلة الدعوة والذين معه في المجلس من جهة وبين اعضاء كتلة المجلس الأعلى والذين معه من جهة ثانية خلاف قديم جديد، لم يهدأ يوما، وما صب في مصلحة المدينة وسكانها يوما، لذا ظلت متوالية التخوين والعمل بالضد قائمة منذ سنوات، تراجعت او أخفقت بسببها مئات المشاريع مثلما ضاعت بنتائجها ملايين الدولارات، لكن ذلك لم يمنع اعضاء الكتلتين من جني المنافع من خلال اقتسام وتوزيع المشاريع الفاشلة وهذا ما يلمسه المواطن البسيط على الواقع، حتى باتت قضية اصمتوا عن ما صمت عليه فلان لكي نصمت عن ما صمت عليه فلان، هي عصا التوازن بين الفريقين، دونما اللجوء الى الفضائح، لأن منافع المشاريع تذهب لهذا مثلما تذهب لذاك.
لكن صورة الحكومة في البصرة لا يمكن اختزالها بفريقي الدعوة وأنصاره أو المجلس وأنصاره، إنما هناك اعضاء يمكننا ان نطلق عليهم جماعة (الأعراف) أو (الآحاد) وهؤلاء لا ميل لهم مع أحد في الفريقين، وهم في الغالب غير فاعلين، هم خارج القسمة دائما، يمكننا أن نختصر وجودهم بما يشبه الاكسسوار في المسرحية، ليس لديهم ميليشيات، وما هم بمرتبطين مع جهة نافذة ما. ولا نعدم أن نجد بينهم من يحمل هماً وطنيا، بصرياً مخلصاً لكن همومه هذه سرعان ما تصطدم بإرادة أحد الفريقين المتخاصمين لترتد عليه ميتةً.
ولكي لا نشخصن ونلقي باللائمة في سوء احوال المدينة على محافظ أو رئيس مجلس محافظة او عضو في لجنة نعود ونقول إن ما تعرض له النصراوي والبزوني من إساءة ونبذ في تظاهرة الجمعة كان درسا قاسيا عليهما، سيجعل من وجودهما في كرسييهما أمرا شبه مستحيل، هذا إذا كانا يريدان حسن العاقبة، وإلا فلن تكون الجمعات القادمات أرحم عليهما.
البصرة تتظاهر بقسوة ضد المحافظ ورئيس المجلس
[post-views]
نشر في: 15 أغسطس, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...