اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أخرجوا التطرف من ساحة التحرير

أخرجوا التطرف من ساحة التحرير

نشر في: 15 أغسطس, 2015: 09:01 م

الافتراض بان الاحتجاج الشعبي "العفوي" يعيش حالة صراع بين تيار ديني وآخر علماني، يندرج ضمن الاوهام التي يرددها البعض ويصدقها البعض الآخر بشكل مؤسف.
جهات عدة تقف وراء هذا الصدام المفتعل والمتخيل. اولى هذه الجهات، هي القوى التي تلقت ضربة موجعة عبر الشعارات التي اطلقها المتظاهرون من البصرة حتى بغداد. وثاني تلك الجهات هي القوى المتشددة والمتطرفة في التيارات الاسلامية وحتى المدنية.
لاحظوا ان التحالف والتماهي، غير المقصود لربما، بين كل هذه الجهات نجح بتعكير صفو تظاهرات الجمعة في ساحة التحرير ومناطق اخرى من البلاد.
يحاول هذا التحالف المتطرف القفز على حقيقة واضحة وجلية تتمثل بان الاحتجاجات تمثل حالة وعي واسعة النطاق تضيق بها الاطر الايديولوجية على الضفتين.
كل الاطراف المحتجة ومن ورائها الاطراف السياسية ترفض التسليم بان هذه الشعارات التي يرددها العراقيون في 12 محافظة، هي شعارات الوعي العفوي، الذي تجاوز كل الافتراضات الثورية التي يرفعها هذا الطرف او ذاك.
لا يؤمن القافزون والمتقافزون على ارادة الشارع بان الاخير لم يعد يثق بايداع صوته في صندوق سياسي او مسيس، لم يعد يثق الا بنفسه وصوته المتعالي على جميع الاصوات.
افترض المدني، ان "الساحة علمانية"، لكنه يتناسى ان هذا الحراك لم يكن له ان يبلغ ذروته الا بوقوف مرجعية النجف وراء مطالبه. لايتذكر هؤلاء ان النجف "المحافظة" هي من حمت الشارع ومنعت تبني الكتل السياسية، مرة ثانية، لاعادة سيناريو شباط 2011.
لا يلتفت المتطرفون من هذا المعسكر، الى ان العالم الجديد نزع ثياب الايديولوجيا التي تحولت الى فولكلور ثقافي يتم التعاطي معه في سياق التاريخ السوسيولوجي. يغفل هؤلاء ان الاولوية الان لكسر معادلة المحاصصة التي فرخت الفساد وانعدام الامن وتردي الخدمات، واتساع هامش الفقر ليشمل 40% من العراقيين.
كل هذه مطالب وشعارات لا يختلف عليها المؤمن وغير المؤمن، بل يجب ان يشكل ذلك ارضية صلبة لتوحيد الساحات باتجاه واع ومتناغم.
بالمقابل، كيف ينظر المحتج الاسلامي لشعارات يرفعها زملاؤه في ساحات التحرير، وكيف يتعامل معها؟
يتحسس هؤلاء وبشدة من سماع شعارات "العلمانية" و "المدنية"، ولا يتردد البعض من المتطرفين، ضعوا مليون خط تحت هذه الكلمة، من رميهم بكوكتيل من التهم تبدأ بالطعن الاخلاقي ولا تنتهي باخراجهم من الملة والدين، ووصمهم بالعمالة لهذا الطرف او ذاك.
متطرفو هذا المعسكر، ولاسباب عدة، يسوقون الى "صدام حتمي" مع الصوت المدني، وهم يلتقون، في هذه النقطة من الرؤية المتشددة، مع نظرائهم في الجانب الآخر.
يجهل او يتجاهل هذا التيار، ان المدنية والعلمانية بمفهومهما المعاصر، لا يستعديان الدين كطاقة روحية واخلاقية، ولا هما مشاريع لضربه او تهميش اتباعه.
يغيب عن هؤلاء ان المدنية هي تعبير معاصر عن امكانية التعايش والحوار بين المختلفين دينيا وقوميا. فبامكانك ان تكون متدينا ومدنيا في الوقت ذاته، عندما تحترم حدودك وحدود الاخرين في اطار المشتركات الانسانية والوطنية التي يحددها القانون.
يغفل هؤلاء عن دعم مرجعية كبيرة وتاريخية كمرجعية السيد السيستاني لـ"مدنية الدولة" بهذا التصور الذي قدمناه لانه الوصفة الفريدة لادارة تنوع اثني وطائفي في بلد مثل العراق.
بالاضافة الى متطرفي الجانبين، يسعى المتضررون، من كل الطيف السياسي، لتشويه الحراك والدفع باتجاه صدام ينتهي بتفكيك هذا التحالف الفريد والواعي بين "الشعب/المرجعية" والذي كان سببا رئيسا في الاصلاحات الحكومية والبرلمانية.
بعد دخول اطراف سياسية في تظاهرات الجمعة، هناك دعوات لتظاهرات مليونية يخشى ان تكون اطلاقة الرحمة على هذا الاحتجاج التأريخي، الذي هز العروش وطارد الكروش في بضعة ايام.
اختم مقالي بما كتبته، على صفحتي، بعد دقائق من عودتي من ساحة التحرير، والتي ارفقتها بصورة لصبايا بغداديات وهن يقفن تحت نصب الحرية: كانت جمعة "هادرة" لم تعكرها بعض المشاحنات... الاهم من اللون هو الصوت الذي رددته كائنات جواد سليم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram