TOP

جريدة المدى > عام > واقفٌ في الظلام.. كتاب الآلام والأحلام

واقفٌ في الظلام.. كتاب الآلام والأحلام

نشر في: 17 أغسطس, 2015: 12:01 ص

"واقف في الظلام" كتاب الشاعر "عبدالزهرة زكي" الصادر عن دار المدى عام 2015 ... لم يكن "كما هو واضح" في مقدمته واستهلاله السردي القائم على عملية الاعتقال ومحنة الاعتقال في أخطر دائرة من دوائر النظام السابق ـ سجن الحاكمية ـ والذي تحول الى ثيمة رئيسية قد

"واقف في الظلام" كتاب الشاعر "عبدالزهرة زكي" الصادر عن دار المدى عام 2015 ... لم يكن "كما هو واضح" في مقدمته واستهلاله السردي القائم على عملية الاعتقال ومحنة الاعتقال في أخطر دائرة من دوائر النظام السابق ـ سجن الحاكمية ـ والذي تحول الى ثيمة رئيسية قدمها الرواي ـ بضمير المتكلم ـ حيث كان هو السارد الوحيد فيها ، وهي ـ أي عملية الاعتقال ـ رغم اهميتها ، لكننا استطعنا من خلالها ان نرصد الكثير من الاشارات التي وردت على هيئة رسائل وانثيالات في الذاكرة ..

 

 

ذاكرة تمضي بنا بعيدا نحو الطفولة ، لتعود بنا سريعا الى المقهى حيث الاصدقاء والبيت ، العائلة الزوجة الاولاد .. الجريدة ـ مقر العمل ـ الشارع ، وفي احيان كثيرة تتوغل عميقا لاكتشاف واستشراف "الآتي" الحدث المرتقب "الحرب" التي تتحول في مخيلة الراوي إلى منقذ وخلاص كما هو الحال مع ـ برابرة كفافيس ـ فهم جزء من الحل حينا أو الحل كله في احيان اخرى . " الحرب " التي كانت مرتقبة حيث أن زمن الاحداث على مشارف وعتبات عام 2003 الفترة التي اعتقل فيها الشاعر عبد الزهرة زكي في سجون الحاكمية .
استطاع الشاعر عبد الزهرة زكي ان يقدم لنا وجبة سردية عميقة ودقيقة يمكن ان تصنف كنوع متميز من ادب السجون الذي برع فيه كتّاب كُثر ، لذا يمكن ان يعد "واقف في الظلام" اضافة نوعية الى هذا الادب ، لم يترك تفصيلا في السجن والزنزانة بدءا من الضوء واللون والاصوات التي كانت ترافقه ليلا او في اول الفجر .. الاصوات التي كان يتأكد حينما يسمعها من انسانيته اولا ، ولكي يستطيع ان يحتمل ضجيج مخيلته وذاكرته التي كان يعدها للدفاع عن نفسه ، لذا تسلسلت معظم ثيمات الكتاب ببساطة وسلاسة سردية .
فنجد انفسنا أمام منظومة معرفية تقف عاجزة أمام عجرفة محققين أجلاف وقساة : المقدم إبراهيم ، أو ـ وائل ـ الجاسوس التافه أو القاضي الذي لايجيد الا الشتم والسب .. وتتواصل المنظومة المعرفية الى شيء منشطر امام جدار أخرس .. وباب موصد .. ويتحول بسرعة خارقة من اسم معروف ومعرف كشاعر الى مجرد رقم هلامي بلا معنى بدلا عن اسمه وتاريخه ولايجد في صلادة وعتمة الجدار الا بيت شعري "للشافعي" مخطوط من قبل نزيل سابق في الزنزانة حيث يقيم حوارا رائعا بينه وبين كاتب البيت الشعري .. ويتواصل الانشطار في الوقت الذي يفلسفه عبر محنته الى شطرين (احدهما كان يفكر في الوقت الذي يجري خارج السجن وثانيهما منشغل بالوقت الجديد الذي هو وقت الحبس والزنزانة ـ وكل وقتي الجديد هذا يتطلب هو الاخر تفكيرا فيه وفي ما يجري في نظامه وظروفه وتقلبات احواله ) ص 25 .
رغم ان الطريقة التي كتب فيها عبد الزهره زكي كتابه يغلب عليها في بعض الفصول "للضرورة" بعض من التقريرية ، لكنه لم يغفل الجوانب الفنية التي حولته الى سيرة عميقة تناولت الاعماق ، اعماق النفس البشرية .. تلك الاماكن التي يكمن فيها الشر والخير وخاصة في بعض اجزاء الفصول التي تهيمن فيها علاقة وجدانية روحية بينه وبين امرأة نزيلة الزنزانة التي تقابل زنزانته لايراها ولاتراه .. بل يسمع صوتها وتسمع صوته وكذلك في اللعبة التي تشبه "لعبة الشطرنج" بين المحقق الخبيث والسجين ، لعبة البحث عن الثغرات والهنات البسيطة التي يمكن ان يسقط بسببها كل شيء ( كان تحقيقا صعبا ومتوقعا حتما مع المقدم "إبراهيم" ، لاأدري متى سيحين ، سيكون حاسما وسيحتاج فعلا الى ان لايبدو المرء معه في العمق مثل لؤلؤة ينزعج المحقق لعدم بلوغها كما يحتاج الى أن لايطفو على السطح مثل سمكة ميتة لايصعب على المقدم العبث بها كما يشاء ) ص 124 .
كما لم يفت الراوي ان يقدم لنا وبلغة سردية متقنة يغلب عليها الوصف الدقيق لحركات الجسد والتركيز عليها " كلغة " يفهمها ويعيها جيدا وهو يقف مع سجانيه مراقبا ومنقادا لهم وسجناء يحيطونه ، إذ تعامل في وصفه لحركات الجسد بدءا من العيون التي تتنقل في الفضاءات الإسمنتية والأصابع التي تتحرك بمعنى وبلا معنى وحركة الأكتاف والايدي الموثقة الى الخلف ، وصف كان فيه الكثير من الدقة السردية .
كان كتاب "عن الآلام والأحلام" ،وهذا هو العنوان الفرعي له، والممتد على مساحة 327 صفحة ... كتاب سرد هادئ ولذيذ مليء بالصور المتداخلة مع بعضها البعض ، سرد يشد القارئ بسلاسة وبلا تكلف ولا تهويمات لغوية .. لغة بسيطة مليئة بالحركة ، لغة تحركها الصور الضاجة في ذهن رجل وحيد وسط زنزانة مظلمة لايمتلك شيئا سوى ذاكرته التي كاد الخوف والقلق ان يجهز عليها ، فكان البطل طوال الشهور القليلة التي أمضاها في سجن المخابرات بتهمة تلقيه رسالة من معارض للحكم التي استطاع ان ينجح في نفيها واخفاء امرها بصلابة وذكاء وقد عشنا معه القلق المقنع والصادق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram