TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "منخل " الاحتجاج الشعبي

"منخل " الاحتجاج الشعبي

نشر في: 16 أغسطس, 2015: 09:01 م

في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق ، اعتمدت وزارة التجارة في ذلك الوقت نظام البطاقة التموينية كجزء من متطلبات توفير الامن الغذائي ، مفردات البطاقة تضمنت السكر والشاي وحليب الاطفال والزيت والرز فضلا عن الطحين ، النظام شمل الجميع ، ومازال معتمدا في الوقت الحاضر على الرغم من اختزال مفرداته ، ووفر نظام البطاقة التموينية قاعدة بيانات عن تعداد السكان ، اعتمدت هي الاخرى من قبل مفوضية الانتخابات لتدشن دخول العراقيين في مرحلة النظام الديمقراطي .
طحين الحصة او الكمية المصطلح الشائع في محافظات العراق الجنوبية ، كان سببا في اضافة اعباء ثقيلة على ربات البيوت ، فهو لم يكن طحينا الا بالاسم فقط ، لونه اسمر لخلطه بنوى التمر يحتوي على مكونات عجيبة غريبة ، كانت سببا في اصابة الكثير من العراقيين بأمراض الجهاز الهضمي ، على قاعدة الحاجة ام الاختراع ، ابتكرت النساء " المكطع " المنخل للحصول على طحين خال من الشوائب ، لتحقيق الامنيات في تناول رغيف يصلح للاستهلاك البشري ، حضور المنخل الجديد في بيوت العراقيين في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية كلفهم فقدان كميات كبيرة من الطحين ، في ذلك الوقت كان التذمر يأخذ طابعا سريا ، فتجرع عباد الله مرارة معاناتهم بصمت ، ومع تطبيق نظام النفط مقابل الدواء والغذاء ،انحسر استخدام "المنخل المكطع " لكنه ظل محتفظا بمكانته في الوجدان الشعبي بوصفه اداة للتخلص من الشوائب .
زيادة مفردات البطاقة التموينية وردت ضمن مطالب المتظاهرين نتيجة ارتفاع نسبة الفقر في العراق الجديد ، وتفاوت الدخل الشهري بين شرائح المجتمع ، القابعون تحت خط الفقر من ارامل وايتام وضحايا العنف والعمليات الارهابية فقدوا حتى" الكمية " لتأمين غذائهم ، فيما يتقاضى دعاة الدفاع عن مظلوميتهم رواتب ضخمة ، ومخصصات وامتيازات مالية ، فضلا عن تمتعهم بنفوذ واسع للحصول على نسبة من ابرام عقود تنفيذ مشاريع خدمية في المحافظات والاقضية والنواحي تندرج ضمن مصطلح المشاريع المتلكئة .
نظام البطاقة التموينية دخل من اوسع الابواب الى عالم السياسية ، حين اعتمدت بياناته في الانتخابات ، وفاز ابناء "القائمة المغلقة" بشرف تمثيل الشعب في مجلس النواب ، شرعوا قوانين تخدم مصالحهم الشخصية والحزبية ، فكان قانون الانتخابات واحدا من الكوارث الكبيرة في المشهد السياسي العراقي ،يحتاج الى معجزة لتعديله من اجل ان يلبي رغبات الناخبين في التصويت لصالح مرشحين في اقل تقدير يمتلكون مواصفات تؤهلهم للجلوس تحت قبة البرلمان ،
العملية السياسية في العراق اصبحت اليوم بأمس الحاجة الى منخل شعبي يزيح الشوائب ، فما عاد القاء المواعظ ووعود الاصلاح ، ومزاعم الالتزام بتوصيات المرجعية الرشيدة والتمسك بالدستور الملغوم تلبي الرغبة الشعبية ، في انقاذ العراق من الانحدار نحو منزلق خطير ، لعب بمقدراته الساسة شاطي باطي. ص

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram