في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق ، اعتمدت وزارة التجارة في ذلك الوقت نظام البطاقة التموينية كجزء من متطلبات توفير الامن الغذائي ، مفردات البطاقة تضمنت السكر والشاي وحليب الاطفال والزيت والرز فضلا عن الطحين ، النظام شمل الجميع ، ومازال معتمدا في الوقت الحاضر على الرغم من اختزال مفرداته ، ووفر نظام البطاقة التموينية قاعدة بيانات عن تعداد السكان ، اعتمدت هي الاخرى من قبل مفوضية الانتخابات لتدشن دخول العراقيين في مرحلة النظام الديمقراطي .
طحين الحصة او الكمية المصطلح الشائع في محافظات العراق الجنوبية ، كان سببا في اضافة اعباء ثقيلة على ربات البيوت ، فهو لم يكن طحينا الا بالاسم فقط ، لونه اسمر لخلطه بنوى التمر يحتوي على مكونات عجيبة غريبة ، كانت سببا في اصابة الكثير من العراقيين بأمراض الجهاز الهضمي ، على قاعدة الحاجة ام الاختراع ، ابتكرت النساء " المكطع " المنخل للحصول على طحين خال من الشوائب ، لتحقيق الامنيات في تناول رغيف يصلح للاستهلاك البشري ، حضور المنخل الجديد في بيوت العراقيين في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية كلفهم فقدان كميات كبيرة من الطحين ، في ذلك الوقت كان التذمر يأخذ طابعا سريا ، فتجرع عباد الله مرارة معاناتهم بصمت ، ومع تطبيق نظام النفط مقابل الدواء والغذاء ،انحسر استخدام "المنخل المكطع " لكنه ظل محتفظا بمكانته في الوجدان الشعبي بوصفه اداة للتخلص من الشوائب .
زيادة مفردات البطاقة التموينية وردت ضمن مطالب المتظاهرين نتيجة ارتفاع نسبة الفقر في العراق الجديد ، وتفاوت الدخل الشهري بين شرائح المجتمع ، القابعون تحت خط الفقر من ارامل وايتام وضحايا العنف والعمليات الارهابية فقدوا حتى" الكمية " لتأمين غذائهم ، فيما يتقاضى دعاة الدفاع عن مظلوميتهم رواتب ضخمة ، ومخصصات وامتيازات مالية ، فضلا عن تمتعهم بنفوذ واسع للحصول على نسبة من ابرام عقود تنفيذ مشاريع خدمية في المحافظات والاقضية والنواحي تندرج ضمن مصطلح المشاريع المتلكئة .
نظام البطاقة التموينية دخل من اوسع الابواب الى عالم السياسية ، حين اعتمدت بياناته في الانتخابات ، وفاز ابناء "القائمة المغلقة" بشرف تمثيل الشعب في مجلس النواب ، شرعوا قوانين تخدم مصالحهم الشخصية والحزبية ، فكان قانون الانتخابات واحدا من الكوارث الكبيرة في المشهد السياسي العراقي ،يحتاج الى معجزة لتعديله من اجل ان يلبي رغبات الناخبين في التصويت لصالح مرشحين في اقل تقدير يمتلكون مواصفات تؤهلهم للجلوس تحت قبة البرلمان ،
العملية السياسية في العراق اصبحت اليوم بأمس الحاجة الى منخل شعبي يزيح الشوائب ، فما عاد القاء المواعظ ووعود الاصلاح ، ومزاعم الالتزام بتوصيات المرجعية الرشيدة والتمسك بالدستور الملغوم تلبي الرغبة الشعبية ، في انقاذ العراق من الانحدار نحو منزلق خطير ، لعب بمقدراته الساسة شاطي باطي. ص
"منخل " الاحتجاج الشعبي
[post-views]
نشر في: 16 أغسطس, 2015: 09:01 م