وأنا أتابع المشاهد المصورة لاعتداء الشقاوات (البلطجية) الذين اخترقوا ساحة التحرير ببغداد يوم الجمعة لتفريق صفوف المتظاهرين وإجهاض الحركة الاحتجاجية، بدا لي الأمر كما لو أنني أرى من جديد ما شاهدته عياناً وعشته حيّاً في مظاهرة الأسبوع الثالث أو الأسبوع الرابع من حراك 2011 في ساحة التحرير.
حتى في التفاصيل لم يتغيّر المشهد.. فجأة تظهر بين المتظاهرين مجموعات بوجوه ضاجّة بملامح العدوان والكراهية، تتحرك بالاتجاه المخالف لاتجاه المتظاهرين رافعة شعارات مناقضة ومناهضة لشعارات المتظاهرين وتردّد عبارات استفزازية، حتى إذا سعى أحد المتظاهرين للاستفهام والاستنكار أخرج أصحاب الوجوه المتوحشة عصيّهم الغليظة (التواثي) وانهالوا بها على المتظاهرين.
كانت البداية في المظاهرة الثالثة أو الرابعة بعد انطلاق الحركة الاحتجاجية في 25 شباط 2011 .. أصحاب التواثي والوجوه المفعمة بعدوانيتها وكراهيتها دخلوا إلى ساحة التحرير بتسهيل من القوات التابعة للقائد العام للقوات المسلحة وبترخيص رسمي منحته السلطات لمظاهرة تقدّم بطلبها أحد الصحفيين اشتراه رئيس الحكومة السابق الذي انطلقت الحركة الاحتجاجية يومذاك لمعارضة سياساته وللمطالبة بالإصلاح السياسي والإداري والمالي ومكافحة الفساد وتوفير الخدمات العامة.
المشهد الجديد القديم هذا سيتكرر كثيراً مع استمرار المظاهرات، فأصحاب التواثي المأمورين ممن تستهدفهم الحركة الاحتجاجية سيعاودون الظهور في ساحات التحرير في بغداد والمدن الأخرى ما دامت الحركة ترفع شعاراتها المطالبة بالإصلاح وبملاحقة الفاسدين والفاشلين ومساءلتهم.. هذا ما يتعيّن أن يتوقعه المتظاهرون ونشطاؤهم ويتحسّبوا له. في المرة السابقة نجح أصحاب التواثي في تحقيق هدفهم لأنهم كانوا مسنودين من القوات الموضوعة بإمرة رئيس الوزراء السابق. الوضع مختلف الآن كما ظهر في ساحة التحرير يوم الجمعة، فالقوات المرابطة حول ساحة التحرير مأمورة هذه المرة بحفظ أمن المظاهرات والمتظاهرين، لكن هذا لا ينبغي أن يكون مدعاة لأن ينجرّ المتظاهرون الى ما يريده أصحاب التواثي ويتواجهوا معهم. في ظنّي أن الأسلوب الصحيح في التعامل معهم يكون بالسعي لاستيعابهم وإفشال غايتهم. وفي هذا الإطار يمكن التنسيق مع القوات المسلحة المرابطة في الميدان والمسؤولين عنها لإحاطتهم علماً بالوقائع أولاً بأول ووضع الأمر في عهدة هذه القوات التي تتحمل المسؤولية عن ضمان الأمن في ساحات المظاهرات وإحباط كل محاولة للاعتداء على المتظاهرين وإثارة العنف.
ومن المهم، مع هذا كله، توثيق ما يجري بالتصوير الفوتوغرافي والفيلمي وبالبث الحي إلى مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات، والسعي لاحقاً إلى رفع دعاوى أمام القضاء ضد العناصر المهاجمة التي ستكون الصور والمواد الفيلمية وثائق إدانة لهم باتّة وقاطعة.. هذه الدعاوى مهمة للغاية ليس فقط لردع المعتدين وإنما أيضاً لكشف مَنْ يقف وراءهم وفضح مَنْ يحرّضهم ويدفع لهم.
بلطجية التحرير.. عائدون
[post-views]
نشر في: 16 أغسطس, 2015: 09:01 م