حتى اللحظة لم تُقدّم القوى السياسية المتنفّذة في السلطة الدليل القاطع على أنها تؤيد حقاً وتتبنى فعلاً إجراء الإصلاح السياسي والإداري والمالي الذي تطالب به الحركة الاحتجاجية المتواصلة والمتصاعدة للأسبوع الثالث على التوالي وأعلنت الحكومة والبرلمان تجاوبهما معه (مطلب الإصلاح).
الجميع تسابقوا للإعراب عن التأييد، خصوصاً بعد إعلان الحكومة عن برنامج إصلاح جزئي وتصريح مرجعية النجف الدينية بدعمها مطالب الحركة الاحتجاجية.. بيد ان موقف القوى السياسية المتنفذة حيال الحركة الاحتجاجية ومطالبها لم يتقدم خطوة على التأييد اللفظي، فما من خطوة عملية اتخذتها هذه القوى منفردة أو مجتمعة تُظهرأنها عاقدة العزم على الاعتبار بما يجري الآن وبما جرى منذ 2003 ، وخوض عملية الإصلاح التي صارت لازمة.
التصويت بالإجماع في مجلس الوزراء ثم في مجلس النواب على المشروع الإصلاحي الجزئي الذي اقترحه رئيس الوزراء وعلى المشروع المماثل المقدّم من رئاسة مجلس النواب، لا يمكن التعويل عليه والتوثّق من أنه يعكس الموقف الحقيقي لهذه القوى ووزرائها ونوابها، فأيدي الجميع ارتفعت بالتأييد داخل المجلسين خوفاً من غضب الجماهير في الغالب، لأن الواقع يقول إن بعض كبار الفاسدين والمفسدين موجودون في المجلسين، والمنطق يقول إن من غير المعقول تأييد هؤلاء لاجراءات يُمكن أن تطالهم وتطيحهم من مناصبهم، وقد تؤدي إلى سجنهم.
الخطوات العملية الجادّة التي كنّا ننتظرها من هذه القوى هي أن تتداعى قياداتها إلى الاجتماع والنظر مليّاً في أحوال البلاد والعوامل التي أدت إلى انفجار الغضب الشعبي وفي الخطوات اللازم اتخاذها.
ما من حزب أو كتلة أو ائتلاف متنفّذ في الحكومة والبرلمان يمكن أن ينأى بنفسه عن أسباب الفشل في إدارة الدولة، وفي مقدمها الفساد المالي والإداري.. الجميع لديهم وزراء فاشلون وفاسدون.. والجميع لديهم نواب فاشلون وفاسدون.. والجميع لديهم وكلاء وزارة ومدراء عامون ورؤساء مؤسسات ورؤساء وأعضاء هيئات "مستقلة" وقادة في الجيش والشرطة والأمن فاشلون وفاسدون أيضاً. ولو كانت هذه القوى جادة في تأييد الحركة الاحتجاجية ومطالبها وبرنامجي الحكومة والبرلمان للإصلاح لبادرت من تلقاء أنفسها الى البحث في ما يمكنها أن تفعله حيال الفاشلين والفاسدين من ممثليها في مؤسسات الدولة، فتسحبهم أو تطلب إقالتهم، وبخاصة عديمي الخبرة ومفتقدي الكفاءة وأصحاب الشهادات والوثائق المزوّرة والانتهازيين من فلول النظام السابق الذين وجدوا الطرق السالكة إلى داخل الأحزاب الحاكمة، وبخاصة الإسلامية الشيعية والسنية وهم عنصر أساس في حال الفشل والفساد والارهاب.. كتلة واحدة فقط فعلت بعضاً من ذلك، هي كتلة الأحرار الصدرية التي أرغمت أحد وزرائها على الاستقالة ومواجهة القضاء عن تهم الفساد الموجهة إليه، لكنّها على أهميتها الرمزية ليست بالخطوة الكافية، فهناك آخرون من ممثلي هذه الكتلة من المسؤولين في الدولة متهمون بالشيء نفسه.
الإصلاح فعل وليس كلاماً، ومَنْ لا يُصلح حاله أولاً لا خيرَ فيه ولا خيرَ يُرتجى منه.
إصلاح.. بلا إصلاحيين!
[post-views]
نشر في: 17 أغسطس, 2015: 09:01 م