TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نشيد نيبلونغين* هاغن وإخوته

نشيد نيبلونغين* هاغن وإخوته

نشر في: 18 أغسطس, 2015: 09:01 م

1-5
إنها لمفارقة من كل الوجوه، أن أقف أمامكم اليوم - في فورمس -. أنا المشرد الرافض للحرب، القادم من بلد دمرته الحروب، بلاد نكون فيها إما مدفونين أو مسجونين أو منفيين، أنا المشرد هذا، الذي كان عليه دخول الحبس للمغادرة في المانيا أيضاً بعد أن رفضت لجوءه إليها ثلاث مرات، أنا المشرد هذا الذي كان يرى مهزلة طرده، ليس لأنه في حينه كان يواصل في جامعة هامبورغ دراسته للأدب الألماني التي سبق وأن بدأها في جامعة بغداد، بل أكثر لأنه كان يعرف أن بلاده والبلاد التي كانت تقاتل معها، إيران، كانا يتزودان بسلاح ألماني: العراق يستورد من المانيا الغربية بقايا الغاز المتبقي من الحرب العالمية الأولى، وإيران تستورد من المانيا الشرقية أقنعة الوقاية من الغاز، أمر مفهوم، لا حروب أو قتل ودمار، لا جوع وتشرد أو حصار بدون تجارة سلاح من هذا النوع، نعم، أنها لمفارقة أن أقف أمامكم، أنا المشرد هذا القادم من بلاد كان اسمها الجمهورية العراقية، بلاد اندثرت حقيقة لم يبق من ماضيها غير قصص وحكايات وقرابة خمسة ملايين مشرد متوزعين على كل جهات الأرض، أن المشرد هذا تحط رجله أخيراً وأين؟ في أراضي مملكة اندثرت هي الأخرى كما بلاده بسبب عمى سياسي وعناد.
عندما هربت إلى منفاي قبل 35 عاماً تقريباً، حملت معي 300 دولار وثلاثة كتب: "قوت الأرض" لأندريه جيد، "رامبو وزمن القتلة" لهنري مللر و"مائة عام من العزلة"، لغارسيا ماركيز، كانت تلك هي كل غنيمتي من بلاد كانت غنية بكل شيء وانتهت إلى الحضيض. لم أعرف نشيد نيبلوغن في ذلك الوقت. رغم أنه من ناحية الموضوع كان الأكثر ملائمة، كما أعرف اليوم.
شكراً للصديق البرت أوسترماير الذي جعلني أقرأ نشيد نيبلونغين. ليس فقط لأنني بهذا الشكل أطلع على نص الماني قديم، كان عليّ أصلاً أن أقرأه كمختص بالأدب الألماني، إذا لم يكن علي أن أدرسه خلال دراستي للأدب الألماني في جامعة هامبورغ (أو تجنبته خوفاً) بل أكثر من ذلك، لأنه جعلني أقرأ عملاً مناسباً بشكل استثنائي لما دار ويدور حولنا من أحداث في أزماننا المعاصرة. لهذا السبب لا يهم ما حملته هذه الملحمة الجرمانية من دموية ومعارك. أو ربما لهذا السبب هي اليوم معاصرة أكثر من أي وقت مضى؟
ستتفقون معي: من خلال هذه الملحمة يمكننا (الصديق البرت ألبرت أوسترماير سيستخدم الفعل الناقص: يجب) علينا الحديث من خلال هذه الملحمة إذن المواضيع التالية: في المقدمة مواضيعنا الإنسانية القديمة مثل الحب، الرغبة، الثأر، الخيانة والنهب (وهنا سأختار كل ما يخطر على بالي، وأترك البقية لكم). فضلاً عن ذلك نعيش في الملحمة الحروب الأهلية، المشردين، العنصرية، الأحكام المسبقة، اليوتوبيا وطبعاً مواضيعنا القديمة قِدم الإنسان العنف، إساءة استغلال السلطة، القتل والموت.
والآن لأعرج على هذه الثيمات بالتسلسل:
أولاً: الحروب الأهلية: دائماً هناك هجوم، حركة من مكان إلى آخر، وعندما ينتهي القتال بين مجموعتين يجري الحديث عن ضرورة الرضى بالخسائر، لأن من غير المهم عدد الذين يعودون من القتال أحياء، يتحدث قادة كل مجموعة عن الانتصار، لأنه لقن العدو درساً لن ينساه، أو ألحق به الأضرار البليغة. إقرأوا بيانات الجماعات أو الدول المتقاتلة ضد بعضها، ستجدون اللغة ذاتها.
ثانياً: الغنيمة، الطمع، علاقات التملك: الحروب تجري بسبب الغنيمة، لكن إذا استدعت الحال، يتقاسم الملوك الغنيمة عن طريق التناسب بينهم، كأن يتزوج أحدهم من عائلة الآخر. وهذا ما استكمله في الأسبوع القادم.
*الكلمة التي افتتح بها الكاتب مهرجان نيبلونيغن المسرحي والموسيقي الأوبرالي العالمي لهذا العام والذي يُقام كل عام في نهاية شهر آب وحتى نهاية شهر أيلول في مدينة فورمس القريبة من فرانكفورت في المانيا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram