اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليلة الشعر في " لو شاتو دو" بفرنسا

ليلة الشعر في " لو شاتو دو" بفرنسا

نشر في: 18 أغسطس, 2015: 09:01 م

بعد أقل من ساعتين من هبوط الطائرة، التي أقلتني من اسطنبول، أخذني القطار من محطة(فيترول)-القريبة جداً من مطار مرسيليا- إلى مدينة سيت بفرنسا، حيث سيقام مهرجان الشعر هناك. كان القطار يسير بسرعة تفوق سرعة السيارات الحديثة التي غالبا من تحملنا بين البصرة لبغداد وكانت الطريق خضراء. أشجار العنب والخوخ والفاكهة تكسو معظم المسافات التي تقدر العين على رؤيتها من الجانبين. لم أبحث بين المقاعد عن مقعدي المخصص لي بموجب تذكرة القطار، ولم يسألني أحد عن سبب جلوسي في المقعد المجاور للنافذة، لذا ازددت طمأنينة، وما هي إلا دقائق حتى شغلتني البيوت والكنائس القديمة بسقوفها القرميدية والحدائق بأشجارها العالية العريقة. شغلتني الطرقات القصيرة التي راحت تتفلت من قبضة السكة الحديد لتشتبك هناك، في البعيد، جسوراً ومعابر وفنارات.
بالكاد، علمت من مذياع القطار بأن المحطة القادمة هي سيت، الفرنسيون يلفظونها (سيتا) بياء ضائعة، فحملت الحقيبة نازلاً، كانت الشمس قد فارقت السماء من هنيهة. وكنت لا أعرف إلى أين أتوجه، لكني خرجت من مبنى محطة القطار باتجاه الساحة حائراً، اتفحص الوجوه، علني أجد أحد الأدلاء، وفي سورة من ضياعي هذا وجدت شخصاً، عرفت من هيأته أنه أحد المدعوين، كان حائراً مثلي، يبحث في الوجوه عمن يأخذ بيده، ودونما تعريف مني أو منه، سألته إن كان مدعوا هو الآخر للمهرجان أم لا؟ فأجابني بنعم. كان ذلك هو الشاعر الأرجنتيني (رودولفو الونسو)علمت ذلك بعد أن وصلنا الى وسط مدينة سيت، التي قادنا اليها احد الشباب المتطوعين كأدلاء، يعملون على الأخذ بأيدي العشرات من الشعراء، الذين سيصلون إلى محطة القطار، من المشاركين في مهرجان الشعر(أصوات حية). ثم أننا اشتركنا في أكثر من منصة للشعر والموسيقى.
لا تبعد المحطة عن إدارة الفيستيفال كثيراً–الآن، أصبحت لا أقول جملة: "مهرجان شعراء البحر المتوسط في سيت" إنما أكتفي بلفظة الفيستيفال- هكذا كما يستدل الفرنسيون على المبنى الجميل، الذي يتوسط المدينة المسورة بالبحر والجبال، التي تكون المقبرة البحرية، مقبرة بول فاليري الشهيرة دالتها الأعظم. في المكان هذا تركنا حقائبنا ومضينا لحفل الافتتاح، كنت أتصور القاعة الكبيرة، التي ستنغلق على العدد الهائل من الشعراء والجمهور الغفير الذي سيحضر، لكن البنت الشقراء التي أخذتنا سيرا على الأقدام اوقفتنا عند الشجرة الكبيرة، التي تمتد أغصانها أبعد مما يتصوره شاعر، فلاح مثلي عن شجرة مهما كانت. كان الجمهور قد أخذ العشب كله بعدما امتلأت مئات المقاعد بالنساء والرجال من مختلف الأعمار. محبو وعشاق الشعر في سيت يختلفون عن سواهم، هم يتخذون اماكنهم قبل بدء المهرجان بساعات، يأتون من المدن والضواحي القريبة، يأخذون القطارات والباصات ويقصدون سماع الشعر ومعاينة الشعراء. الشعر هنا قضية أخرى.
"لو شاتو دو" تعني حديقة قصر الماء، هو اسم الحديقة التي أقيم فيها حفل الافتتاح والختام، ولا يجد مصطحب الخريطة ضرورة في تصفحها أو الاستدلال عليها. الشوارع تقوده ورائحة الطعام المنبعث من مطبخ ثريا دالة مميزة أيضا، كذلك تكون المساحة الخضراء الممتدة حوالي الشجرة. أكشاك باعة النبيذ عند اطرافها، وسكينة الشوارع المحيطة التي تفضي دائماً ..كل ذلك يقودك إلى اللو شاتو دو، حيث وقف أدونيس يقرأ بالعربية قصائد مختارة من كتابه الشعري (أول الجسد آخر البحر) وحيث توزع الشعراء الفرانكفونيون، العرب وغيرهم اماكن متعددة في الحديقة ليقرأوا الشعر وسط انغام من المتوسط والكاريبي، أنغام تأتي من مجاهيل أفريقيا السوداء، ثقيلة بالأقنعة خفيفة مع الموج، الذي لا يصطخب هنا، عند السواحل القريبة، خلل النور المتغير عند كل منصة، بين أكؤس النبيذ التي توزعت الجمهور العريض، الجالس والواقف والنائم على العشب، المستمتع بالشعر، والذي بدا لي كأنه سيسمع الشعر للمرة الأخيرة . تحت الشجرة العملاقة، قرب الساقية التي اغلق الحارس صنبورها تركني الشاعر الفلسطيني وليد السويركي، الذي كان وزوجته دليليَّ الوحيدين لمبنى الفيستيفال، تركاني على العشب نائما، هنا وذهبا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سعيد فرحان

    في تلك االساعات الاسطورية هل لعنت احداً او مكاناً او ربما لعنت حظاً؟ لا ادري لماذا تبادر الى ذهني هذ السؤال عندما كنت اقرأ ما كتبت وعشت هناك طبعا في مخيلتي ، اعتقد انك فعلت ذلك. لك محبتي واعجابي.

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram