منذ إختفاء عملة الدرهم الفضية من التداول في العراق .. مذ غدا الدينار القديم حكاية قديمة من حكايات الف ليلة وليلة ، مذ صار الألف دينار لا يسد قيمة علبة مناديل ورق ، ولا يعادل بضع سنتات من عملة اجنبية ، والعشرة آلاف قاصرة عن شراء ثوب ، مذ هجرت الأصفار مراكزها المرموقة ، وتقافزت من اليمين لليسار قفز أرانب ، مذ ومنذ ،، مذ ومنذ .
إنها لمفارقة مضحكة مبكية ان ترتفع واردات النفط بمعدلات خيالية ، جنونية ، وتنخفض قيمة الإنسان بنفس المعدل . معادلة عكسية تستعصي على الحل .
كان الدينار العراقي في اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات في عنفوان عافيته : الدينار يعادل ثلاثة دولارات ، او جنيهين إسترلينيين . والآن تستنكف عن تصريفه مصارف الدول ولو بالخردة من سلة العملات .
………….
آقلب قصاصات صحف عراقية قديمة حملت تواريخ شتى - احتفظ بها فوق رفوف عالية - وآتوقف قليلا أمام مقالات قيمة تطرقت لضرورة حذف الأصفار من العملة العراقية المتداولة في الزمن الراهن و إعادة الهيبة المفقودة للدينار العراقي ، عبر فئات نقدية جديدة عالية القيمة ضامرة الأصفار .
العملة ، مرآة مستوية تعكس وجه البلد وتشي بإستقراره ونموه وحالات سكانه ، ما هي مرآة محدبة فتضخم المشهد ، وما هي مقعرة لتشوه الصورة .
ما من عملة مستقرة راسخة الحضور إلا بالتنمية ، تنمية الثروات والناتج والإنسان . ولا يرتجى املا بعملة مزدهرة ، ما دامت المصانع مقفلة ، والمزارع مهجورة والمعامل معطلة والمواهب مهملة والخريج العاطل يستجدي عملا ولو كحارس شخصي لمسؤول .
حذف الأصفار من العملة المتداولة لا يداوي الجرح الفاغر في جسد الإقتصاد المنهك ، ولا تقوم للعملة العراقية قائمة ، إلا بالإستثمار .. والإستثمار الحقيقي الذي هو الأس والرافد الذي لا تغيض مياهه، هو : الإستثمار بقدرات الإنسان.
العملة وقيمة الإنسان.
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2015: 09:01 م