اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > استنساخ ما لا يستنسخ

استنساخ ما لا يستنسخ

نشر في: 19 أغسطس, 2015: 09:01 م

ينجرف بعضنا، مع فورة الاحداث والسخونة المرتفعة للمشهدين السياسي والاجتماعي، في موجة استعارة فجة لشعارات ورموز وقضايا لا تعكس الطابع العراقي لاحتجاجات باتت تقترب من النضج بشكل سريع. هذه الاستعارة غير الواعية تسببت، للاسف، بالتشويش على شعارات ساحات التحرير والمطالب الحقيقية التي تم رفعها خلال الاسابيع الاخيرة.
لقد لعبت النخبة العراقية، خلال العقد الاخير، دوراً محوريا في بلورة وانضاج الاحتجاج الشعبي، ووضعه على السكة الصحيحة. هذه الحقيقة لا يمكن انكارها بالمرة، كما لا يمكن ايضا انكار الدور السلبي الذي لعبته النخبة في تشتيت الصف وخسارة الشارع، واطفاء جذوة حماسة الجمهور.
ان استعارة الشعارات بهذا الشكل الذي نشاهده ونسمعه مؤخرا، تكشف عن مأزق النخبة، التي تتصدر واجهة الاحتجاج، في التواصل المباشر مع ساحات التحرير، كما يعكس في الوقت ذاته "كسلا" في صناعة الشعار الذي عادة ما يعبر عن وضوح الرؤية وامكانية استشراف التحديات التي قد تواجه الجمهور.
خلال الاسابيع الماضية، لوحظت حالة "اغتراب" شعاراتي، تمثلت باستعارة هتافات واساليب احتجاج وصلت حد الاستنساح لتجربة شباب تونس ومصر الذين عبروا بطريقتهم العفوية عن حاجاتهم من خلال شعارات ورموز تحولت الى ايقونة للثورة والتغيير.
منذ تظاهرات شباط 2011 ونحن نواصل استعارة لغة واساليب الاحتجاج لثورتي مصر وتونس، حد ان البعض اخذ يستخدم تسميات كـ"ميدان التحرير"، و "شباب يناير"، للاشارة الى "ساحة التحرير"، و"شباب شباط" المألوفتين عراقيا.
لم يقف الاستنساخ عند هذا الحد، بل تعداه الى افتراض قضايا تشبه تلك التي خاضها المصريون. فاصبحنا نتحدث عن "دولة عميقة"، وضرورة مواجهة مخططات "الفلول"، وخطورة "البلطجية"، ورفع شعار "التفويض"، والدعوة لانقلاب عسكري.
على الجانب الآخر، استعار بعض المتظاهرين شعارات ورموز لها حضورها في الشارع الايراني رغم دلالاتها الدينية المحترمة لدى الجميع. فبالغ هؤلاء بارتداء "الجفية" و "العصّابات الملونة" والمعروفة بانها ايقونات اشتهرت باستخدامها قوات الباسيج والحرس الثوري. استعار هؤلاء، بغير وعي، قداسة اسم "الحشد" الذي تصدى لابشع هجمة بربرية واجهها العراق في تاريخه المعاصر، وانزلوه الى ارصفة وساحات تتصارع فيها المصالح والارادات السياسية.
وعلى الرغم من حقيقية واحقية الاهداف التي خرج من اجلها الجميع، مدنيون واسلاميون، كانهاء المحاصصة ومناهضة الفساد، وتحسين الخدمات، لكنهم يخطئون عندما قرروا التخلي عن الرصيد المعنوي لاحتجاجهم لجهات وساحات اخرى.
ظهر ذلك جليا في رفع شعارات تعكس اوهاماً غير حقيقية على ارض الواقع، كالتي تفترض وجود صراع بين الاسلامي والعلماني، او بين معسكرين متخاصمين احدهما اميركي واخر ايراني.
ما يثير الانتباه ويدعو للتأمل ان هذه الاستعارة الرمزية اخذت بالتوسع بشكل سريع، حتى غطت على الوجه العراقي لاحتجاجات البصرة وميسان والحلة وذي قار وبغداد. ولم يعد المراقب الاجنبي يميز ما اذا كان امام تظاهرة في طهران ام احتجاج في قلب القاهرة.
يغفل بعض المتظاهرين ان الاحتجاج بحد ذاته قيمة حضارية لاية امة واي مجتمع، لانه يمثل دليلا ملموسا على حيوية الشعوب وتفاعلها واصرارها على صناعة مصيرها بيدها وبصوتها بعيدا عن وصاية الآخرين. لا يلتفت البعض الى أهمية ان يحمل الشعار لونا محلياً غير مصطنع وغير مستعار، لان الشعار يمثل هوية اي حركة تغييرية. الشعار هو "لوغو" اي حركة ومن دونها لن يكون لها هوية تميزها عن غيرها وتلخص اهدافها. لن تنجح اية حركة بتحقيق اهدافها اذا ما ارتدت اقنعة مستعارة ورددت شعارات مستوردة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram