زاد الاهتمام بموسيقى العصور السابقة لباخ وهندل في بداية القرن العشرين، خاصة بعد اكتمال إحياء أعمال هذين الموسيقارين (وجرى ذلك وفق الروحية الرومانتيكية في ذلك الوقت). ولربما كان الايطالي اتّورينو رسبيجي (1879 – 1936) هو السباق في ذلك، فصدرت المت
زاد الاهتمام بموسيقى العصور السابقة لباخ وهندل في بداية القرن العشرين، خاصة بعد اكتمال إحياء أعمال هذين الموسيقارين (وجرى ذلك وفق الروحية الرومانتيكية في ذلك الوقت). ولربما كان الايطالي اتّورينو رسبيجي (1879 – 1936) هو السباق في ذلك، فصدرت المتتابعة الأولى من "رقصات وأغانٍ قديمة" في سنة 1917، ثم المتتابعة الثانية (1923) فالثالثة (1932). وهي مجموعة من الأعمال التي جرى فيها احياء موسيقى عصر النهضة استناداً لمدونات قديمة، فالاولى استندت إلى أعمال سيمونه مولينارو (1565 – 1630) وفنتشنزو غاليلي (1520 – 1591) وهو أبو العبقري غاليليو غاليلي. استعمل رسبيجي أعمال المؤلفين القدماء ووزعها لأوركسترا كبيرة توزيعاً حافظ فيه على العناصر الموسيقية للأعمال الأصلية.
وترافق ذلك مع نشاط في إعادة نشر وترجمة كتب الموسيقى والرقص التي كتبت منذ عصر النهضة، كان بينها كتاب يعود إلى سنة 1588 ألفه قس فرنسي تحت اسم مستعار هو توانو آربو عن رقصات زمانه. ترجم هذا الكتاب الى الانكليزية وصدر سنة 1925، جهّز الأمثلة الموسيقية فيه بيتر وارلُك. وبيتر وارلُك هو الاسم المستعار للموسيقي والناقد الانكليزي فيليب آرنولد هزلتاين (1894 – 1930)، الذي نشر هذه المقطوعات والأمثلة الموسيقية على شكل متتابعة موسيقية في سنة 1927 تحت اسم متتابعة كابريول ولاقت نجاحا كبيراً. ونحى فيها منحى رسبيجي في التعامل مع المادة الموسيقية القديمة، سوى أننا نلمس فيها ثقلاً أكبر للتوزيع الهارموني الاضافي الذي أدخله وارلُك على النسيج الموسيقي الأصلي.مع ذلك، تبقى موسيقى كارمينا بورانا التي ألفها الألماني كارل اورف سنة 1935 - 1936 الأكثر شهرة، لكنها تختلف عن الأمثلة السابقة في كونها موسيقى مؤلفة لتحاكي موسيقى القرون الوسطى وليست توزيعاً لموسيقى قديمة أصلاً. وسأعود إلى كارمينا بورانا بالتفصيل في مناسبة قادمة بالتأكيد.